الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَآءَ بِغَضَبٍ مِّنَ ٱللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ }

اخبر الله تعالى ان { من يولهم } يعني الكفار { يومئذ } يوم القتال { دبره فقد باء بغضب من الله }. والتولية جعل الشيء يلي غيره وهو متعد إلى مفعولين. ولاه دبره اذا جعله يليه، ومنه ولاه البلد من ولاية الامارة، وتولى هو اذا قبل الولاية واولاه نعمة، لانه جعلها تليه.

وقوله { يومئذ } يجوز اعرابه وبناؤه، فاعرابه لأنه متمكن اضيف على تقدير الاضافة الحقيقية، كقولك هذا يوم ذلك، وأما البناء فلانه اضيف إلى مبني اضافة غير حقيقية، فأشبه الأسماء المركبة، وقوله { إلا متحرفاً لقتال } فالتحرف الزوال من جهة الاستواء إلى جهة الحرف. تقول تحرف تحرفاً، وانحرف انحرافاً وحرفه تحريفاً واحترف احترافاً، لأنه يقصد جهة الحرف لطلب الرزق، مثل ابعد في طلب الرزق، والمحارف المحدود من جهة الرزق إلى جهة الحرف. ومنه حروف الهجاء لأنها اطراف الكلمة كحرف الجبل، ونحوه.

وقوله { أو متحيزاً إلى فئة } فالتحيز طلب حيز يتمكن فيه، تحيز تحيزاً وانحاز انحيازاً وحازه يحوزه حوزاً، والحيز المكان الذي فيه الجوهر. والفئة القطعة من الناس، وهي جماعة منقطعة عن غيرها. وذكر الفئة في هذا الموضع حسن جداً، وهو من فأوت راسه بالسيف اذا قطعته.

وفي تناول الوعيد لكل فار من الزحف خلاف.

فقال الحسن وقتادة والضحاك: انما كان ذلك يوم بدر خاصة.

وقال ابن عباس: هو عام، وهو قول ابي جعفر وابي عبدالله عليهما السلام.

ثم اخبر تعالى ان من ولي دبره على غير وجه التحرف للقتال، او التحيز إلى الفئة انه باء بغضب من الله. أي رجع بسخطه تعالى واستحقاق عقابه. وان مستقره { جهنم وبئس المصير } هي لمن صار اليها.

وقوله { متحرفاً لقتال } نصب على الحال، وتقديره الا ان يتحرف لأن يقاتل، وكذلك " متحيزاً " نصب على الحال وتقريره حال تحيزه إلى فئة، ويجوز النصب فيهما على الاستثناء، تقديره الا رجلا متحيزاً او يكون متفرداً، فينحاز ليكون مع المقاتلة. واصل متحيز متحيوز فأدغمت الياء في الواو بعد قلبها ياء.