الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ذٰلِكُمْ فَذُوقُوهُ وَأَنَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَابَ ٱلنَّارِ }

العامل في { ذلكم } يحتمل احد وجهين: أحدهما - الابتداء على تقدير الأمر { ذلكم } ، قال الزجاج: من قال: إنه يرفع { ذلكم } بما عاد عليه من الهاء او بالابتداء وجعل { فذوقوه } الخبر، فقد أخطأ، لأن ما بعد الفاء لا يكون خبر المبتدأ لا يجوز " زيد فمنطلق " ولا " زيد فاضربه " الا ان تضمر هذا كقول الشاعر:
وقائله خولان فانكح فتاتهم   وأكرومة الحيين خلو كما هيا
أي هذه خولان. الثاني - أن يكون نصباً بذوقوا، كما تقول: زيداً فاضربه. والكاف في قوله { ذلكم } لا موضع له من الاعراب لانه حرف خطاب، ولو كان اسماً لجاز أن يؤكد بالنفس وذلك غير جائز اجماعاً. والاشارة بذلك إلى ما تقدم من انواع العقوبات، وانما ضم إلى الكاف الميم، لأنه خطاب للمشركين.

وقوله { فذوقوه } فالذوق طلب ادراك الطعم بتناول اليسير بالفم كما ان الشم طلب ادراك الرائحة بالانف، وليس بالادراك، لأنه يقال ذقتة فلم أجد له طعماً، وشممته فلم اجد له رائحة، وانما قال { فذوقوه } والذوق اليسير من الطعام، لان المعنى كونوا للعذاب كالذائق للطعام، لأن معظمه بعده. وقيل: لان الذائق أشد احساساً بالطعم من المستمر عليه، فكأن حالهم ابداً حال الذائق في شدة احساسه نعوذ بالله منه.

وقوله { وأن للكافرين } فموضع { أن } يحتمل النصب والرفع، فالرفع بالعطف على ذلكم كأنه قال { ذلكم فذوقوه } وذلكم { أن للكافرين عذاب النار } مع ذا والنصب من وجهين: احدهما - وبان للكافرين، والآخر - واعلموا ان للكافرين، كما انشده الفراء:
تسمع للأحشاء منه لغطا   ولليدين جسأة وبددا
اي وترى لليدين وانما قدم الخبر في قوله: { وأن للكافرين } على الاسم لدلالته على الكفر الذي هو السبب للعذاب. ومرتبة السبب قبل المسبب.