الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى ٱلْمَلاۤئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ فَٱضْرِبُواْ فَوْقَ ٱلأَعْنَاقِ وَٱضْرِبُواْ مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ }

معنى الآية اذكروا { إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم } يعني بالمعونة والنصرة، كما يقال: فلان مع فلان بمعني ان معونته معه. وذكر الفراء قال: كان الملك يأتي الرجل من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله فيقول سمعت المشركين يقولون، والله لئن حملوا علينا لنكشفن، فيحدث المسلمون بعضهم بعضاً فيقوي انفسهم بذلك و " الايحاء " إلقاء المعنى إلى النفس من وجه يخفى، وقد يكون ذلك بنصب دليل يخفى إلا على من إلقي اليه من الملائكة.

وقوله { فثبتوا الذين آمنوا } قيل في معناه قولان: احدهما - احضروا معهم الحرب. والثاني - قال الحسن: قاتلوا معهم يوم بدر. وقال قوم: معنى ذلك الاخبار بأنه لا بأس عليهم من عدوهم.

وقوله { سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب } اخبار من الله تعالى انه يلقي في قلوب الكفار الرعب، وهو الخوف. تقول: رعبته ارعبه رعباً ورعباناً، فانا راعب، وذاك مرعوب. و { الرعب } إنزعاج النفس بتوقع المكروه. واصل الرعب التقطيع من قولهم رعبت السنام ترعيباً: اذا قطعته مستطيلا. والرعب يقطع حال السرور بضده من انزعاج النفس بتوقع المكروه. وجارية رعبوبة اذا كانت شطنة مشبهة بقطعة من السنام. ورعب السيل فهو راعب: اذا امتلا منه الوادي، لأنه انقطع اليه من كل جهة. والرعيب من الرجال النصير. قال الراجز:
ولا أجيب الرعب ان دعيت   
وقوله { فاضربوا فوق الأعناق } قيل في معناه ثلاثة أقوال:

احدها - اضربوا الاعناق - ذهب اليه عطية - وقال غيره اضربوا على الاعناق. وقال قوم اضربوا فوق جلدة الاعناق.

وقوله { واضربوا منهم كل بنان } قال ابن جريج والضحاك والسدي: أراد بنان الأطراف من اليدين والرجلين والواحد بنانة. ويقال: للاصبع بنانة. واصله اللزوم من قولهم: أبنت السحابة إبناناً إذا لزمت. وأبن بالمكان اذا لزمه فسمي البنان بناناً، لأنه يلزم به ما يقبض عليه، قال الشاعر:
ألا ليتني قطعت مني بنانة   ولاقيته في البيت يقظان حاذرا
وقال الفراء: أعلمهم مواضع الضرب، فقال: اضربوا الرؤوس والأيدي والأرجل. وقال الزجاج: اباح الله قتلهم بكل نوع يكون في الحرب. و { إذ } في موضع نصب على قوله " وليربط.. إذ يوحي " ويجوز على تقدير واذكروا.