الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَإِذَا جَآءَتِ ٱلطَّآمَّةُ ٱلْكُبْرَىٰ } * { يَوْمَ يَتَذَكَّرُ ٱلإِنسَانُ مَا سَعَىٰ } * { وَبُرِّزَتِ ٱلْجَحِيمُ لِمَن يَرَىٰ } * { فَأَمَّا مَن طَغَىٰ } * { وَآثَرَ ٱلْحَيَاةَ ٱلدُّنْيَا } * { فَإِنَّ ٱلْجَحِيمَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى ٱلنَّفْسَ عَنِ ٱلْهَوَىٰ } * { فَإِنَّ ٱلْجَنَّةَ هِيَ ٱلْمَأْوَىٰ } * { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } * { فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَٰهَا } * { إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَٰهَآ } * { إِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَٰهَا } * { كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوۤاْ إِلاَّ عَشِيَّةً أَوْ ضُحَٰهَا }

قرأ ابو جعفر وعياش عن أبي عمرو { إنما أنت منذر من يخشاها } بالتنوين. الباقون على الاضافة. والمعنى واحد. فمن نون جعل " من " فى موضع النصب. وإنما اختار ذلك، لانه جعله { منذراً } في الحال. ومن اضافه استخف ذلك كما استخف في قولهعارضاً مستقبل أوديتهم } والتنوين مقدر، لان المعنى إنه منذر فى الحال، وفيما بعد. ومن اضاف جعلها في موضع جر. والمنذر النبي صلى الله عليه وآله قال الله تعالىإنما أنت منذر ولكل قوم هاد } قال قوم: المنذر النبي صلى الله عليه وآله والهادي علي عليه السلام. وقيل { لكل قوم هاد } داع يدعوهم الى الحق.

يقول الله تعالى مهدداً للمكلفين من خلقه { فإذا جاءت الطامة الكبرى } قال ابن عباس: الطامة القيامة. وقال الحسن: الطامة هي النفخة الثانية. وقيل: هى الصيحة التي تطمّ على كل شيء، وهى الصيحة التي يقع معها البعث والحساب والعقاب والثواب وقيل هى الطامة الغامرة الهائلة، وفى المثل: ما من طامة إلا وفوقها طامة قال الفراء: يقال: تطم على كل شيء يطم. وقال قوم: الطامة الغامرة، لما يتدفق بغلظها وكثرتها. وقيل: هى الغاشية المجللة التي تدفق الشيء بالغلظ، ثم بين متى مجيئها فقال { يوم يتذكر الإنسان ما سعى } ومعناه تجيء الطامة فى يوم يتذكر الانسان ما عمله في دار التكليف من خير او شر وسعى فيه، ويعلم ما يستحقه من ثواب وعقاب { وبرزت الجحيم لمن يرى } أي لمن يراها ويبصرها شاهداً، فالتبريز اظهار الشيء بمثل التكشيف الذي يقضي اليه بالاحساس، ويقال: فلان مبرز فى الفضل إذا ظهر به اتم الظهور، وبارز قرنه أي ظهر اليه من بين الجماعة.

ثم قسم احوال الخلق فى ذلك اليوم من العصاة والمطيعين، فقال { فأما من طغى } بأن تجاوز الحد الذي حده الله، وارتكب المعاصي والطغيان والعصيان بمجاوزة الحد فيه الى الافراط فيه، فكل كافر طاغ بافراطه في ظلم نفسه، وظلم النفس كظلم غيرها فى التعاظم، وقوله { وآثر الحياة الدنيا } معناه اختار منافع الحياة الدنيا بارتكاب المعاصي وترك ما وجب عليه، فالايثار إرادة الشيء على طريقة التفضيل له على غيره، ومثله الاختيار، لانه يختاره على انه خير من غيره، فمن آثر الأدنى على الاولى فهو منقوص بالحاجة، كما ان من آثر القبيح على الحسن كان منقوصاً. وقيل: المعنى من آثر نعيم الحياة الدنيا على نعيم الآخرة والحياة حياتان: حياة الدنيا وهى المنقطعة الفانية، وحياة الآخرة، وهى الدائمة، فمن آثر الباقي الدائم على الفاني المنقطع كان حسن الاختيار، ومن آثر الفاني على الباقي كان سيء الاختيار مقبحاً.

ثم بين تعالى ما له في الآخرة فقال { فإن الجحيم هي المأوى } اي النار مثواه ومستقره وموضع مقامه.

السابقالتالي
2 3