الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً } * { حَدَآئِقَ وَأَعْنَاباً } * { وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً } * { وَكَأْساً دِهَاقاً } * { لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلاَ كِذَّاباً } * { جَزَآءً مِّن رَّبِّكَ عَطَآءً حِسَاباً } * { رَّبِّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا ٱلرَّحْمَـٰنِ لاَ يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً } * { يَوْمَ يَقُومُ ٱلرُّوحُ وَٱلْمَلاَئِكَةُ صَفّاً لاَّ يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ ٱلرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَاباً } * { ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلْحَقُّ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ مَآباً } * { إِنَّآ أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ ٱلْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ ٱلْكَافِرُ يٰلَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }

أَحدى عشرة آية في البصري وعشر آيات عند الباقين.

قرأ { ولا كذاباً } خفيفاً الكسائي { رب السماوات } بالرفع محارب وابو بكر، و { الرحمن } جراً عن عاصم وابن عامر ويعقوب وسهل.

لما ذكر الله تعالى حال الكفار وما أعده لهم من أنواع العقاب ذكر ما للمؤمنين المتقين لمعاصي الله تعالى، فقال { إن للمتقين } الذين يتقون عقاب الله باجتناب معاصيه وفعل طاعته { مفازاً } ، وهو موضع الفوز بخلوص الملاذ. وأصل الفوز النجاة إلى حال السلامة والسرور، ومنه قيل للمهلكة مفازة على وجه التفاؤل، لانه قيل منجاة وقيل مفازاً منجى إلى مبرة. ثم بين ذلك فقال { حدائق وأعناباً } فالحدائق جمع حديقة، وهي البستان المحوط، ومنه أحدق به حائطه. والحديقة الجنة المحوطة، ومنه أحدق القوم بفلان إذا أطافوا به، وسميت الحدقة حدقة لما يحيط بها من جفنها والاعناب جمع عنب، وهو ثمر الكرم قبل أن يجف فاذا جف فهو الزبيب، ونظيره الرطب ثمر النخل قبل أن يصير تمراً فاذا صار تمراً زال عنه اسم الرطب.

وقوله { وكواعب أتراباً } قال ابن عباس: الكواعب النواهد، والكاعب الجارية قد نهد ثدياها، يقال: كعب ثدي الجارية ونهد إذا ابتدأ بخروج حسن. والاتراب جمع ترب، وهي التي تنشأ مع لدتها على سن الصبي الذي يلعب بالتراب فكأنه قيل هم على سنّ واحدة. قال قتادة: أتراباً يعني فى سن واحدة.

وقوله { وكأساً دهاقاً } فالكأس الاناء إذا كان فيه شراب. وقيل الكاس أناء الخمر الذي يشرب منه، قال الشاعر:
يلذه بكأسه الدهاق   
فان لم يكن فيه الخمر لم يسم كأساً، والدهاق ملأى بشدة الضغط، والدهق شدة الضغط فى الكأس ملأى مترعة ليس فيها فرجة ليستوفي حال اللذة. وقال قتادة: دهاقاً مترعة. وقال مجاهد: معناه متتابعة على شاربها مأخوذ من متابعة الشد في الدهن.

وقوله { لا يسمعون فيها لغواً } أي لا يسمعون فى الجنة كلاماً لا فائدة فيه { ولا كذاباً } أي ولا تكذيب بعضهم لبعض. ومن قرأ { كذاباً } بالتخفيف أراد مصدر كاذبه مكاذبة، وكذاباً قال الشاعر:
فصدقتني وكذبتني   والمرء ينفعه كذابه
وقال الفراء: قال اعرابي فى طريق مكة: يا رب القصار أحب اليك أم الحلق يريد أقصر شعري أم احلق.

وقوله { جزاء من ربك عطاء حساباً } أي فعلنا بالمؤمنين المتقين ما فعلنا جزاء على تصديقهم بالله ونبيه، فالجزاء إعطاء المستحق بعمل الطاعة أو المعصية.

وقوله { عطاء حساباً } أي بحساب العمل كل إنسان على قدر عمله من النبيين والصديقين والشهداء الصالحين، ثم سائر أخيار المؤمنين، وعند الله المزيد. وقيل: معناه عطاء كافياً من قولهم: أعطاني ما أحسبني أي كفاني، وحسبك أي اكتف، وحسبي الله أي كفاني الله. وقال الحسن: معناه إنه أعطاهم ذلك محاسبة.

السابقالتالي
2