الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِي ظِلاَلٍ وَعُيُونٍ } * { وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ } * { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ هَنِيـۤئاً بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي ٱلْمُحْسِنِينَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { كُلُواْ وَتَمَتَّعُواْ قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُّجْرِمُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { وَإذَا قِيلَ لَهُمُ ٱرْكَعُواْ لاَ يَرْكَعُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ }

لما ذكر الله تعالى الكفار وما أعدّ لهم من ضروب العقاب وانواع العذاب ترهيباً وتزهيداً فى مثله، ذكر المؤمنين المتقين للمعاصي وبين ما أعده لهم من أنواع النعيم وضروب اللذات فقال { إن المتقين } ومعناه الذين اتقوا عقاب الله باجتناب معاصيه وطلبوا ثوابه بفعل طاعاته { في ظلال } وهو جمع ظل، وهو الحجاب العالي المانع من كل أذى، فلأهل الجنة حجاب من كل أذى لان هواء الجنة مناف لكل أذى، فهم من طيبه على خلاصة. وقيل فى ظلال من قصور الجنة وأشجارها { وعيون } وهي ينابيع الماء التي تجري فى ظل الاشجار. وقيل: ان تلك العيون جارية فى غير أخدود، لأن ذلك امتع بما يرى من حسنه وصفائه على كنهه من غير ملابسة شيء له، وليس هناك شيء إلا على أحسن صفاته، لان الله تعالى قد شوق اليه أشد التشويق ورغب فيه أتم الترغيب { وفواكه } وهي جمع فاكهة، وهي ثمار الاشجار التي من شأنها أن تؤكل، وقد يكون من الثمر ما ليس كذلك كالثمر المر، فانه ليس من الفاكهة.

وقوله { مما يشتهون } يعني لهم فاكهة من جنس ما يشتهونه.

ثم قال تعالى { كلوا واشربوا هنيئاً بما كنتم تعملون } صورته صورة الأمر والمراد به الاباحة. وقال قوم: هو أمر على الحقيقة، لان الله تعالى يريد منهم الأكل والشرب فى الجنة، وإنهم إذا علموا ذلك زاد فى سرورهم، فلا تكون إرادته لذلك عبثاً، والهنيء هو الذي لا أذى فيه فيما بعد. وقيل: الهنيء النفع الخالص من شائب الأذى. والشهوة معنى فى القلب إذا صادفت المشتهى كان لذة، وضده النفار إذا صادفه كان ألماً، وجاء الكلام على التقابل للكافرين من قوله { في ظل ذي ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب } مقابل أهل الجنة فى ظلال قصور الجنة واشجارها.

وقوله { إنا كذلك نجزي المحسنين } اخبار منه تعالى أنه كما جازى هؤلاء المتقين بما ذكره من النعيم مثل ذلك يجازي كل محسن عامل بطاعة الله. وفى ذلك دلالة على أن كل احسان خالص للعبد فله به الثواب والحمد، وانه طاعة لله، وإن ما ليس باحسان من فعل خارج عن هذا الحكم. وقوله { ويل يومئذ للمكذبين } قد مضى تفسيره.

ثم عاد الى خطاب الكفار فقال لهم على وجه التهديد والوعيد { كلوا وتمتعوا } فى دار الدنيا وتلذذوا بما تريدون وانتفعوا بما تشتهون { قليلاً } لان أيام الدنيا قليلة، فالتمتع الحصول فى أحوال تلذ، تمتع تمتعاً واستمتع استمتاعاً وأمتعه غيره امتاعاً والتمتع والتلذذ واحد ونقيضه التألم.

وقوله { إنكم مجرمون } اخبار منه تعالى للكفار بأنكم وإن تمتعتم قليلا في الدنيا فانكم عصاة وكفار ومآلكم الى النار وعذابها.

السابقالتالي
2