الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ مَا كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ } * { ٱنطَلِقُوۤاْ إِلَىٰ ظِلٍّ ذِي ثَلاَثِ شُعَبٍ } * { لاَّ ظَلِيلٍ وَلاَ يُغْنِي مِنَ ٱللَّهَبِ } * { إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَٱلْقَصْرِ } * { كَأَنَّهُ جِمَٰلَتٌ صُفْرٌ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا يَوْمُ لاَ يَنطِقُونَ } * { وَلاَ يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { هَـٰذَا يَوْمُ ٱلْفَصْلِ جَمَعْنَٰكُمْ وَٱلأَوَّلِينَ } * { فَإِن كَانَ لَكمُ كَيْدٌ فَكِيدُونِ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }

قرأ رويس { انطلقوا إلى ظل } على فتح اللام بلفظ الماضي. وقرأ اهل الكوفة إلا أبا بكر { جمالة } وضم الجيم يعقوب. الباقون { جمالات } من قرأ { جمالة } على لفظ الواحد قال معناه الجمع لقوله { صفر } ومن قرأ { جمالات } بكسر الجيم قال: جمالة وجمالات جميعاً جمعان، كأنه جمع الجمع مثل: رجال ورجالات، وبيوت وبيوتات، والهاء فى قوله { كأنه } كناية عن الشرر.

وهذا حكاية ما يقول الله تعالى للكفار المكذبين بيوم الدين يوم القيامة فانه يقول لهم { انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون } من العقاب على الكفر ودخول النار جزاء على المعاصي، فكنتم تجحدون ذلك وتكذبون به ولا تعترفون بصحته، فامضوا اليوم اليه. فالانطلاق الانتقال من مكان إلى مكان من غير مكث الاعتقال، وهو من الاطلاق خلاف التقييد، والانتقال من حال إلى حال، ومن اعتقاد إلى اعتقاد لا يسمى انطلاقاً. ثم ذكر الموضع الذي أمرهم بالانطلاق اليه، فقال { انطلقوا إلى ظل ذي ثلاث شعب } قيل: معناه يتشعب من النار ثلاث شعب: شعبة فوقه، وشعبة عن يمينه وشعبة عن شماله فيحيط بالكافر. وقال مجاهد وقتادة { ظل } دخان من جهنم ينقسم ثلاث شعب كما قال تعالىأحاط بهم سرادقها } أي من الدخان الآخذ بالانفاس { لا ظليل } معناه غير مانع من الاذى يستر عنه، فالظليل المانع من الاذى بستره عنه، ومثله الكنين، فالظليل من الظلة، وهي السترة، والكنين من الكن، فظل هذا الدخان لا يغني الكفار من حر النار شيئاً. وبين ذلك بقوله { ولا يغني من اللهب } والاغناء إيجاد الكفاية بما يكون وجود غيره وعدمه سواء يقال: أغنى عنه أي كفى في الدفع عنه. واللهب إرتفاع الشرر، وهو اضطرام النار، إلتهب يلتهب إلتهاباً وألهبتها إلهاباً ولهباً.

وقوله { إنها } يعني النار { ترمي بشرر } وهي قطع تطاير من النار في الجهات وأصله الظهور من شررت الثوب إذا اظهرته للشمس والشرر يظهر متبدداً من النار. وقوله { كالقصر } أي ذلك الشرر كالقصر أي مثله في عظمه، وهو يتطاير على الكافرين من كل جهة - نعوذ بالله منه - والقصر واحد القصور من البنيان - في قول ابن عباس ومجاهد - وفي رواية أخرى عن ابن عباس وقتادة والضحاك: القصر أصول الشجر واحدته قصرة مثل جمرة وجمر، والعرب تشبه الابل بالقصور، قال الاخطل:
كأنه برج رومي يشيده   لزّ بجص وآجرّ وأحجار
والقصر في معنى الجمع إلا انه على طريق الجنس. ثم شبه القصر بالجمال، فقال { كأنه جمالات صفر } قال الحسن وقتادة: كأنها انيق سود، لما يعتري سوادها من الصفرة. وقال ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير: قلوس السفن، وفي رواية أخرى عن ابن عباس: هي قطع النحاس.

السابقالتالي
2 3