الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَلَمْ نُهْلِكِ ٱلأَوَّلِينَ } * { ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ ٱلآخِرِينَ } * { كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِٱلْمُجْرِمِينَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّآءٍ مَّهِينٍ } * { فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ } * { إِلَىٰ قَدَرٍ مَّعْلُومٍ } * { فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ ٱلْقَادِرُونَ } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ } * { أَلَمْ نَجْعَلِ ٱلأَرْضَ كِفَاتاً } * { أَحْيَآءً وَأَمْوٰتاً } * { وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّآءً فُرَاتاً } * { وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ }

قرأ أهل المدينة والكسائي { فقدرنا } مشددة. الباقون بالتخفيف وهما لغتان. ومن اختار التخفيف فلقوله { فنعم القادرون }.

يقول الله تعالى على وجه التهديد للكفار { ألم نهلك الأولين } يعني قوم نوح وعاد وثمود، والآخرون قوم لوط وابراهيم إلى فرعون ومن معه من الجنود أهلكهم الله تعالى بأنواع الهلاك جزاء على كفرهم لنعم الله وجحدهم لتوحيده واخلاص عبادته.

وقوله { ثم نتبعهم الآخرين } إنما رفعه عطفاً على موضع { ألم } كأنه قال: لكنا نهلك الاولين ثم نتبعهم الاخرين. وقال المبرد تقديره ثم نحن نتبعهم لا يجوز غيره. لان قوله { ألم نهلك } ماض، وقوله { ثم نتبعهم } مستقبل فلا يكون عطفاً على الاول ولا على موضعه. والاهلاك إبطال الشيء بتصييره الى حيث لا يدرى اين هو إما باعدامه او باخفاء مكانه. وقد يكون الاهلاك بالاماتة، وقد يكون بالنقل إلى حال الجمادية. والاول هو الكائن قبل غيره. والثاني هو الكائن بعد غيره. والاول قبل كل شيء هو الله تعالى الذي لم يزل. { والأولين } فى الآية هم الذين تقدموا على أهل العصر الثاني، والاخر الكائن بعد الاول من غير بقية منه، وبهذا ينفصل عن الثاني، لأن الثاني قد يكون بعد بقية من الشيء ثالثاً ورابعاً وخامساً إلى حيث انتهى، فاذا صار الى الآخر فليس بعده شيء كالكتاب الذي هو أجزاء كثيرة

وقوله { كذلك نفعل بالمجرمين } أي مثل ما فعلنا بأولئك نفعل مثله بالعصاة ثم قال { ويل يومئذ } يعني يوم الجزاء والثواب والعقاب { للمكذبين } فانهم يجازون بأليم العقاب. والاتباع الحاق الثاني بالأول بدعائه اليه، والتبع الحاق الثاني بالاول باقتضائه له، تبع تبعاً فهو تابع وأتبع اتباعاً.

وقوله { ألم نخلقكم من ماء مهين } والمهين القليل الغناء، ومثله الحقير الذليل وفى خلق الانسان على هذا الكمال من الحواس الصحيحة والعقل والتميز من ماء مهين أعظم الاعتبار وأبين الحجة على ان له مدبراً وصانعاً وخالقاً خلقه وصنعه فمن جحده كان كالمكابر لما هو من دلائل العقول.

ثم قال الله تعالى مبيناً انه جعل ذلك الماء المهين الحقير { في قرار مكين } فالقرار المكان الذي يمكن أن يطول فيه مكث الشيء، ومنه قولهم: قر فى المكان إذا ثبت على طول المكث فيه يقر قراراً، ولا قرار لفلان فى هذا المكان أي لا ثبات له.

وقوله { إلى قدر معلوم } فالقدر المقدار المعلوم الذي لا زيادة فيه ولا نقصان وكأنه قال إلى مقدار من الوقت المعلوم، والقدر مصدر من قولهم: قدر يقدر قدراً وقدر يقدّر - بالتخفيف، والتشديد - إلا أن التشديد للتكثير. وقوله { فقدرنا فنعم القادرون } معناه فى قول من خفف فقدرنا من القدرة، فنعم القادرون على تدبيره. ومن شدد أراد فقدرنا، فنعم المقدرون لاحوال النطفة ونقلها من حال الى حال حتى صارت إلى حال الانسان.

السابقالتالي
2