الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ أَتَىٰ عَلَى ٱلإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ ٱلدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً } * { إِنَّا خَلَقْنَا ٱلإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً } * { إِنَّا هَدَيْنَاهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً } * { إِنَّآ أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلاَسِلاَ وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً } * { إِنَّ ٱلأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُوراً } * { عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ ٱللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً } * { يُوفُونَ بِٱلنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً } * { وَيُطْعِمُونَ ٱلطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } * { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ ٱللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً } * { إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً }

قرأ { سلاسلاً } منوناً نافع والكسائي وابو بكر عن عاصم اتباعا للمصحف ولتشاكل ما جاوره من رأس الآية. الباقون بغير تنوين، لان مثل هذا الجمع لا ينصرف في معرفة ولا في نكرة، لأنه على (فعائل) بعد الفه حرفان.

يقول الله تعالى { هل أتى على الإنسان } قال الزجاج: معناه ألم يأت على الانسان { حين من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً } يعني قد كان شيئاً إلا انه لم يكن مذكوراً، لانه كان تراباً وطيناً الى أن نفخ فيه الروح. وقال قوم { هل } يحتمل معناه أمرين: احدهما - أن يكون بمعنى (قد أتى) والثاني أن يكون معناها اتى على الانسان، والاغلب عليها الاستفهام والاصل فيها معنى (قد) لتجرى على نظائرها بمعنى ضمن معنى الالف واصله من ذلك قول الشاعر:
أم هل كبير بكى لم تقض عبرته   أثر الأحبة يوم البين مشكوم
والمعنى بالانسان - ها هنا - آدم - فى قول الحسن - والمعنى قد أتى على آدم { حين من الدهر } وبه قال قتادة وسفيان. وقيل: ان آدم لما خلق الله جثته بقي أربعين سنة لم تلج فيه الروح كان شيئاً، ولم يكن مذكوراً، فلما نفخ فيه الروح وبلغ إلى ساقه كاد ينهض للقيام، فلما بلغ عينيه ورأى ثمار الجنة بادر اليها ليأخذها فلذلك قال الله تعالىخلق الإنسان من عجل } وقال غيره: هو واقع على كل إنسان، والانسان في اللغة حيوان على صورة الانسانية، وقد تكون الصورة الانسانية، ولا إنسان، وقد يكون حيوان ولا إنسان، فاذا حصل المعنيان صح إنسان لا محالة. والانسان حيوان منتصب القامة على صورة تنفصل من كل بهيمة. و (الحين) مدة من الزمان، وقد يقع على القليل والكثير. قال الله سبحانهفسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } أي وقت تمسون ووقت تصبحون. وقال { تؤتي أكلها كل حين } يعني كل ستة أشهر، وقال قوم: كل سنة. وقال - ها هنا { هل أتى على الإنسان حين } أي مدة طويلة. والدهر مرور الليل والنهار وجمعه أدهر ودهور، والفرق بين الدهر والوقت أن الوقت مضمن بجعل جاعل، لان الله جعل لكل صلاة مفروضة وقتاً، وجعل للصيام وقتاً معيناً، وقد يجعل الانسان لنفسه وقتاً يدرس فيه ما يحتاج إلى درسه ووقتاً مخصوصاً لغذائه.

وقوله { لم يكن شيئاً مذكوراً } أي لم يكن ممن ذكره ذاكر، لأنه كان معدوماً غير موجود، وفي الآية دلالة على أن المعدوم لا يسمى شيئاً، وإنما سمى زلزلة الساعة شيئاً مجازاً. والمعنى إنها إذا وجدت كانت شيئاً عظيماً.

وقوله { إنا خلقنا الإنسان من نطفة } اخبار من الله تعالى أنه خلق الانسان سوى آدم وحواء من نطفة، وهو ماء الرجل والمرأة الذي يخلق منهما الولد، فالنطفة الماء القليل في أناء كان او غير إناء قال الشاعر:

السابقالتالي
2 3 4