الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَوَقَٰهُمُ ٱللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ ٱلْيَومِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُوراً } * { وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُواْ جَنَّةً وَحَرِيراً } * { مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَىٰ ٱلأَرَائِكِ لاَ يَرَوْنَ فِيهَا شَمْساً وَلاَ زَمْهَرِيراً } * { وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلاَلُهَا وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً } * { وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَاْ } * { قَوَارِيرَاْ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً } * { وَيُسْقَوْنَ فِيهَا كَأْساً كَانَ مِزَاجُهَا زَنجَبِيلاً } * { عَيْناً فِيهَا تُسَمَّىٰ سَلْسَبِيلاً } * { وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَّنثُوراً } * { وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً }

قرأ الشعبي وعبيد بن عمير { قدروها } بضم القاف. الباقون بفتحها. من فتح القاف قال معناه قدروها فى أنفسهم، فجاءت كما قدروا، ومن ضم أراد ان ذلك قدر لهم أي قدره الله لهم كذلك. قرأ نافع والكسائي وابو بكر عن عاصم (قواريراً قواريراً) بالتنوين فيهما. وقرأ بغير تنوين ولا الف فى الوقف حمزة وابن عامر، وقرأ الاولى بالتنوين والثانية بغير تنوين ابن كثير. وقرأ ابو عمرو فيهما بغير تنوين إلا انه يقف عليه بالألف. من نون الأولى اتبع المصحف، ولانه رأس آية، ثم كرهوا أن يخالفوا بينهما فنونوا الثانية، وكذلك قرأ الكسائيألا إن ثموداً كفروا ربهم ألا بعداً لثمود } صرفهما لئلا يخالف بينهما مع قربهما، ومن لم يصرفهما فعلى موجب العربية، لانه جمع على (فواعيل) بعد ألفه حرفان. ومن صرف الاولى فلأنها رأس آية ولم يصرف الثانية على أصل العربية.

لما اخبر الله تعالى عن المؤمنين الذين وصفهم فى الآيات الأولى وما اوفوا به من النذر فى إطعامهم لوجه الله ما اطعموه وإيثارهم على نفوسهم المسكين واليتيم والاسير وإنهم فعلوا ذلك لوجه الله خالصاً، ومخافة من عذاب يوم القيامة، اخبر بما أعد لهم من الجزاء على ذلك، فقال { فوقاهم الله شر ذلك اليوم } أي كفاهم الله ومنع عنهم أهوال يوم القيامة وشدائده، فالوقاء المنع من الأذى يقال: وقاه يقيه وقاء، فهو واق، ووقّاه توقية قال رؤبة.
إن الموقّي مثل ما وقيت   
ومنه اتقاه اتقاء وتوقاه توقياً، والشر ظهور الضرّ، وأصله الظهور من قولهم:
وحتى أشرت بالأكف المصاحف   
أي اظهرت، ومنه شررت الثوب إذا اظهرته للشمس او الريح، ومنه شرار النار لظهوره بتطايره وانتشاره، وقيل: الشر الضر والقبيح، ويستعار فى غيره، وليس ما يوجب هذا. والمراد - ها هنا - أهوال يوم القيامة وشدائده فالوقاء المنع من الأذى يقال: وقاه يقيه وقاء فهو واق ووقاه توقية وقوله { ولقاهم نضرة وسروراً } معنى لقاهم استقبلهم به، والنضرة حسن الألوان، ومنه نبت نضر وناضر ونضر والنضار الذهب. وقيل: ناضرة ناعمة. وقيل: حسنة الصورة. والسرور اعتقاد وصول المنافع اليه فى المستقبل. وقال قوم: هو لذة في القلب بحسب متعلقه بما فيه النفع، سره يسره سروراً وكل سرور فلا بد له من متعلق، كالسرور بالمال والولد والسرور بالا كرام والاجلال، والسرور بالشكر والحمد، والسرور بالثواب.

وقوله { وجزاهم بما صبروا } أي كافاهم واثابهم على صبرهم على محن الدنيا وشدائدها وتحمل مشاق التكليف { جنة } أي بستاناً أجنه الشجر { وحريراً } يلبسونه. وقوله { متكئين } نصب على الحال { فيها } يعني في الجنة { على الأرائك } وهي الحجال فيها الاسرة - في قول ابن عباس ومجاهد وقتادة - واحدها اريكة وهي الحجلة سرير عليه شبه القبة.

السابقالتالي
2 3