الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ كَلاَّ لاَ وَزَرَ } * { إِلَىٰ رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ ٱلْمُسْتَقَرُّ } * { يُنَبَّأُ ٱلإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ } * { بَلِ ٱلإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } * { وَلَوْ أَلْقَىٰ مَعَاذِيرَهُ } * { لاَ تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ } * { إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ } * { فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَٱتَّبِعْ قُرْآنَهُ } * { ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ } * { كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ ٱلْعَاجِلَةَ } * { وَتَذَرُونَ ٱلآخِرَةَ } * { وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ } * { إِلَىٰ رَبِّهَا نَاظِرَةٌ } * { وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ } * { تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ }

قرأ { كلا بل يحبون العاجلة ويذرون الآخرة } بالياء فيهما ابن كثير وابو عمرو وابن عامر على وجه الاخبار عنهم. الباقون بالتاء على وجه الخطاب لهم،

لما حكى الله تعالى عن الكافر انه يقول يوم القيامة { أين المفر } والمهرب حكى ما يقال له، فانه يقال له { كلا لا وزر } أي لا ملجأ. والوزر الملجأ من جبل يتحصن به او غيره من الحصون المنيعة. ومنه الوزير المعين الذي يلجأ اليه فى الامور، يقال وزرت الحائط إذا قويته بأساس يعتمد عليه. وقال ابن عباس ومجاهد: لا وزر، معناه لا ملجأ. وقال الحسن: لا جبل، لان العرب إذا دهمتهم الخيل بغتة، قالوا: الوزر، يعنون الجبل، قال ابن الدمينة:
لعمرك ما للفتى من وزر   من الموت ينجو به والكَبر
وقال الضحاك: معناه لا حصن. وقيل معناه لا منجا ينجو اليه، وهو مثل الملجأ. ثم قال تعالى { إلى ربك يومئذ المستقر } أي المرجع الذي يقر فيه. ومثله المأوى والمثوى، وخلافه المرتحل. والمستقر على وجهين: مستقر إلى أمد، ومستقر على الابد.

وقوله { ينبؤ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر } أي يخبر بجميع ما عمله، وما تركه من الطاعات والمعاصي، فالنبأ الخبر بما يعظم شأنه، وحسن في هذا الموضع لان ما جرى مجرى اللغو والمباح لا يعتد به فى هذا الباب. وإنما الذي يعظم شأنه من عمل الطاعة والمعصية هو ما يستحق عليه الجزاء. فأما ما وجوده كعدمه، فلا اعتبار به. والتقديم ترتيب الشيء قبل غيره. وضده التأخير وهو ترتيب الشيء بعد غيره، ويكون التقديم والتأخير فى الزمان، وفى المكان، وفى المرتبة، كتقديم المخبر عنه في المرتبة، وهو مؤخر فى الذكر، كقولك: فى الدار زيد، وكذلك الضمير فى (غلامه ضرب زيد) وهو مقدم فى اللفظ ومؤخر فى المرتبة. وقال ابن عباس: ينبأ بما قدم من المعصية وأخّر من الطاعة. وقال مجاهد: يعني بأول عمله وآخره. وقال ابن زيد: ما أخذ وترك. وفي رواية عن ابن عباس، وهو قول ابن مسعود: بما قدم قبل موته، وما اخر من سنة يعمل بها بعد موته، وقيل ما قدم وأخر جميع أعماله التي يستحق بها الجزاء.

وقوله { بل الإنسان على نفسه بصيرة } أي شاهد على نفسه بما تقوم به الحجة - ذكره ابن عباس - كما يقال: فلان حجة على نفسه. وقد قال تعالىاقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيباً } وقال الزجاج: معناه بل الانسان تشهد عليه جوارحه كما قاليوم تشهد عليهم } والهاء فى { بصيرة } مثل الهاء فى (علامة) للمبالغة. وقيل شهادة نفسه عليه اولى من اعتذاره. وقيل تقديره بل الانسان على نفسه من نفسه بصيرة: جوارحه شاهدة عليه يوم القيامة ولو اعتذر كان شاهداً عليه من يكذب عذره.

السابقالتالي
2 3 4