الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلْمُدَّثِّرُ } * { قُمْ فَأَنذِرْ } * { وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ } * { وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ } * { وَٱلرُّجْزَ فَٱهْجُرْ } * { وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ } * { وَلِرَبِّكَ فَٱصْبِرْ } * { فَإِذَا نُقِرَ فِي ٱلنَّاقُورِ } * { فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ } * { عَلَى ٱلْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ }

هذا خطاب من الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وآله يقول له { يا أيها المدثر } واصله المتدثر بثيابه، فادغمت التاء في الدال، لانها من مخرجها مع أن الدال اقوى بالجهر فيها، يقال: تدثر تدثراً ودثره تدثيراً، ودثر الرسم يدثر دثوراً إذا محي أثره، فكأنه قال: يا ايها الطالب صرف الأذى بالدثار اطلبه بالانذار.

وقوله { قم فأنذر } أمر من الله تعالى له أن يقوم وينذر قومه، والانذار الاعلام بموضع المخافة ليتقى، فلما كان لا مخافة أشد من الخوف من عقاب الله كان الانذار منه اجلّ الانذار، وتقديره قم إلى الكفار فانذر من النار.

وقوله { وربك } منصوب بـ { كبر } والتكبير وصف الاكبر على اعتقاد معناه كتكبير المكبر في الصلاة بقوله الله اكبر، والتكبير نقيض التصغير، ومثله التعظيم. والكبير الشأن هو المختص باتساع المقدور والمعلوم من غير مانع من الجود. فالله تعالى قادر لا يعجزه شيء، وعالم لا يخفى عليه شيء لا يمنعه من الجود على عباده شيء، فهو اكبر من كل كبير بما لا يساويه شيء، واختصاصه بالمقدور والمعلوم بأنه ما صح من مقدور او معلوم فهو قادر عليه عالم به فهو لنفسه كبير واكبر من كل كبير سواه.

وقوله { وثيابك فطهر } أي وطهر ثيابك فهو منصوب به. والطهارة النظافة بانتفاء النجاسة، لأن النظافة قد تكون بانتفاء الوسخ من غير نجاسة، وقد تكون بانتفاء النجاسة. فالطهارة في الآية هو القسم الأخير. وقال ابن عباس { وثيابك فطهر } معناه من لبسها على معصيته، كما قال سلامة بن غيلان الثقفي - انشده ابن عباس:
وإني بحمد الله لا ثوب فاجر   لبست ولا من غدة أتقنع
وقال الزجاج: معناه لم أكن غادراً، قال يقال: للغادر دنس الثياب أي لم أعص قط وقيل: معناه شمر ثيابك - وفي رواية عن ابن عباس وإبراهيم وقتادة - ان معناه وثيابك فطهر من الذنوب. وقال ابن سيرين وابن زيد: اغسلها بالماء. وقيل معناه شمر ثيابك، وقيل: معناه وثيابك فطهر للصلاة فيها.

وقوله { والرجز } منصوب بقوله { فاهجر } وقال الحسن: كل معصية رجز وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والزهري: معناه فاهجر الاصنام. وقال ابراهيم والضحاك: الرجز الاثم. وقال الكسائي: الرجز - بكسر الراء - العذاب، وبفتحها الصنم والوثن. وقالوا: المعنى اهجر ما يؤدي إلى العذاب، ولم يفرق احد بينهما. وبالضم قرأ حفص ويعقوب وسهل. الباقون بالكسر إما لانهما لغتان مثل الذكر والذكر او بما قاله الكسائي. وقال قوم: الرجز بالضم الصنم. وقال: كان الرجز صنمين: أساف ونائلة، نهى الله تعالى عن تعظيمهما.

وقوله { ولا تمنن تستكثر } قال ابن عباس وابراهيم والضحاك وقتادة ومجاهد: معناه لا تعط عطية لتعطى أكثر منها، وقال الحسن والربيع وانس: معناه لا تمنن حسناتك على الله مستكثراً لها، فينفصل ذلك عند الله.

السابقالتالي
2