الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } * { وَمَآ أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ } * { لاَ تُبْقِي وَلاَ تَذَرُ } * { لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ } * { عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ } * { وَمَا جَعَلْنَآ أَصْحَٰبَ ٱلنَّارِ إِلاَّ مَلَٰئِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاَّ فِتْنَةً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ لِيَسْتَيْقِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَيَزْدَادَ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوۤاْ إِيمَٰناً وَلاَ يَرْتَابَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ ٱلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَٱلْكَٰفِرُونَ مَاذَآ أَرَادَ ٱللَّهُ بِهَـٰذَا مَثَلاً كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ مَن يَشَآءُ وَيَهْدِي مَن يَشَآءُ وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ وَمَا هِيَ إِلاَّ ذِكْرَىٰ لِلْبَشَرِ } * { كَلاَّ وَٱلْقَمَرِ } * { وَٱللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ } * { وَٱلصُّبْحِ إِذَآ أَسْفَرَ } * { إِنَّهَا لإِحْدَى ٱلْكُبَرِ }

قرأ نافع وحمزة وحفص عن عاصم { إذ أدبر } باسكان الذال وقطع الهمزة من { أدبر } الباقون بفتح الذال والالف معها " دبر " بغير الف. وقرأ ابن مسعود بزيادة الف، ومن قال (دبر، وأدبر) فهما لغتان. قيل: هو مثل قبل واقبل والاختيار عندهم { أدبر } لقوله { إذا أسفر } ولم يقل إذا سفر، لان ابن عباس، قال لعكرمة: حين دبر الليل، لان العرب تقول: دبر فهو دابر، وحجة نافع وحمزة قول النبي صلى الله عليه وآله " إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا فقد أفطر الصيام " ثم قال ابو عبيدة: أدبر ولى، ودبرني جاء خلفي.

لما حكى الله تعالى صفات الكافر الذى ذكره، وهو الوليد بن المغيرة، وانه فكر وقدر إلى ان قال: هذا القرآن سحر مأثور، وهو قول البشر، قال الله تعالى مهدداً له ومتوعداً { سأصليه سقر } أى ألزمه جهنم، والاصلاء إلزام موضع النار أصلاه يصليه إصلاه واصطلى فهو يصطلي اصطلاء، وصلاه يصليه، واصله اللزوم. وسقر اسم من اسماء جهنم، ولم يصرف للتعريف والتأنيث وأصله من سقرته الشمس تستقره سقراً إذا آلمت دماغه. وقد سميت النار سقر لشدة إيلامها، ومنه الصقر بالسين والصاد، لأن شدته فى نفسه كشدة الألم فى أذى صيده.

وقوله { وما أدراك ما سقر } إعظاماً للنار وتهويلا لها أي ولم يعلمك الله سقر على كنهها وصفتها، ثم وصف بعض صفاتها فقال { لا تبقي ولا تذر } وقال مجاهد: معناه لا تبقي من فيها حياً، ولا تذره ميتاً. وقال غيره: لا تبقي احداً من أهلها إلا تناولته، ولا تذره من العذاب. والابقاء ترك شيء مما اخذ، يقال أبقى شيئاً يبقيه ابقاء، وأبقاه الله أي اطال مدّته. والباقي هو المستمر الوجود.

وقوله { لوّاحة للبشر } أي مغيرة لجلد الانسان الذي هو البشرة - فى قول مجاهد - وقال المؤرج: لواحة بمعنى حرّاقة، وبه قال الفراء. وقال غيرهما: معناه تلوح لجميع الخلق حتى يروها، كما قالوبرّزت الجحيم لمن يرى } لانه لا يجوز أن يصفها بأنها تسودّ البشرة مع قوله { إنها لا تبقي ولا تذر } والتلويح تغير اللون إلى الأحمر والتلويح بالنار تغير بشرة أهلها إلى الاحمرار، يقال: لوحته الشمس تلوحه تلويحا فهي لواحة على المبالغة فى كثرة التلويح، والبشر جمع بشرة، وهي ظاهر الجلدة، ومنه سمي الانسان بشراً، لأنه ظاهر الجلدة، بتعريه من الوبر والريش والشعر الذي يكون فى غيره من الحيوان فى غالب أمره.

وقوله { عليها تسعة عشر } أي على سقر تسعة عشر من الملائكة. وإنما خص بهذه العدة لتوافق صحة الخبر لما جاء به الانبياء قبله صلى الله عليه وآله، ويكون في ذلك مصلحة للمكلفين.

السابقالتالي
2 3