الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً } * { وَجَعَلْتُ لَهُ مَالاً مَّمْدُوداً } * { وَبَنِينَ شُهُوداً } * { وَمَهَّدتُّ لَهُ تَمْهِيداً } * { ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ } * { كَلاَّ إِنَّهُ كان لآيَاتِنَا عَنِيداً } * { سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً } * { إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ } * { فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ } * { ثُمَّ نَظَرَ } * { ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ } * { ثُمَّ أَدْبَرَ وَٱسْتَكْبَرَ } * { فَقَالَ إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ } * { إِنْ هَـٰذَآ إِلاَّ قَوْلُ ٱلْبَشَرِ }

يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله على وجه التهديد للكافر الذى وصفه { ذرني ومن خلقت وحيداً } ومعناه دعني وإياه فاني كاف فى عقابه كما تقول العرب: دعني وإياه لا أن الله تعالى يجوز عليه المنع حتى يقول: ذرني وإياه. ولكن المعنى ما قلناه. وقوله { وحيداً } قال الزجاج: يحتمل ان يكون من صفة الخالق، ويحتمل أن يكون من صفة المخلوق، فاذا حملناه على صفة الخالق كان معناه دعني ومن خلقته متوحداً بخلقه لا شريك لي في خلقه وجعلته على الاوصاف التي ذكرتها، وإذا حمل على صفه المخلوق، كان معناه ومن خلقته فى بطن أمه وحده لا شيء له ثم جعلت له كذا وكذا - ذكره مجاهد وقتادة - وقوله { وجعلت له مالا ممدوداً } أى مالا كثيراً له مدد يأتي شيئاً بعد شيء، فوصفه بأنه ممدود يقتضي هذا المعنى. وقال مجاهد وسعيد بن جبير: نزلت الآية في الوليد بن المغيرة المخزومي. وقالا: كان ماله الف دينار. وقال سفيان: كان ماله أربعة آلاف دينار. وقال النعمان بن سالم: كان أبرص. وقال عطاء عن عمر: كان غلة شهر شهر. وقال مجاهد: كان بنوه عشرة { وبنين شهوداً } أي واولاداً ذكوراً معه يستمتع بمشاهدتهم، وينتفع بحضورهم. وقيل كان بنوه لا يغيبون عنه لغنائهم عن ركوب السفر فى التجارة بخلاف من هو غائب عنهم.

وقوله { ومهدت له تمهيداً } أي سهلت له التصرف فى الأمور تسهيلا وقد يكون التسهيل من المصيبة ليخف الحزن بها، وقد يكون لما يتصرف فيه من المبالغة. وقوله { ثم يطمع أن أزيد } أي لم يشكرني على هذه النعم، وهو مع ذلك يطمع ان أزيد فى إنعامه. والتمهيد والتوطئة والتذليل والتسهيل نظائر.

ثم قال تعالى على وجه الردع والزجر " كلا " كأنه قال: ارتدع عن هذا وانزجر كما ان (صه) بمنزلة اسكت (ومه) بمنزلة اكفف. وإنما هي أصوات سمي الفعل بها، فكأنه قال: انزجر، فليس الأمر على ما تتوهم.

ثم بين لم كان كذلك فقال { إنه كان لآياتنا } أي إنما لم أفعل به ذلك، لانه لحجتنا وأدلتنا { عنيداً } أي معانداً، فالعنيد الذاهب عن الشيء على طريق العداوة له، يقال عند العرق يعند عنوداً، فهو عاند إذا نفر، وهو من هذا، والمعاندة منافرة المضادة، وكذلك العناد، وهذا الكافر يذهب عن آيات الله ذهاب نافر عنها. وقيل معنى { عنيد } عنود أي جحود بتكذيب المعاندة - فى قول ابن عباس وقتادة - وقيل: معناه معاند، وبعير عنود أي نافر قال الشاعر:
إذا نزلت فاجعلوني وسطا   إني كبير لا أطيق العندا
أي نفراً، وقوله { سأرهقه صعوداً } فالارهاق الاعجال بالعنف والصعود العقبة التي يصعب صعودها، وهي الكؤد والكدود فى ارتقائها ونقيض الصعود الهبوط، وقيل: صعود جبل من نار فى جهنم يؤخذون بارتقائه، فاذا وضع يديه ذابت، فاذا رفعها عادت وكذلك رجلاه، فى خبر مرفوع.

السابقالتالي
2