الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَذَرْنِي وَٱلْمُكَذِّبِينَ أُوْلِي ٱلنَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلاً } * { إِنَّ لَدَيْنَآ أَنكَالاً وَجَحِيماً } * { وَطَعَاماً ذَا غُصَّةٍ وَعَذَاباً أَلِيماً } * { يَوْمَ تَرْجُفُ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ وَكَانَتِ ٱلْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً } * { إِنَّآ أَرْسَلْنَآ إِلَيْكُمْ رَسُولاً شَاهِداً عَلَيْكُمْ كَمَآ أَرْسَلْنَآ إِلَىٰ فِرْعَوْنَ رَسُولاً } * { فَعَصَىٰ فِرْعَوْنُ ٱلرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذاً وَبِيلاً } * { فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ ٱلْوِلْدَانَ شِيباً } * { ٱلسَّمَآءُ مُنفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً } * { إِنَّ هَـٰذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَن شَآءَ ٱتَّخَذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلاً }

لما امر الله تعالى النبي صلى الله عليه وآله بالصبر على اذى قومه، وأن يهجرهم هجراً جميلا قال على وجه التهديد للكفار { وذرني } يا محمد { والمكذبين } الذين يكذبونك فيما تدعوهم اليه من التوحيد وإخلاص العبادة والاعتراف بالبعث والنشور، والثواب والجزاء، كما يقول القائل: دعني وإياه إذا أراد أن يهدده، يقال: يذر بمعنى يترك، ويدع، ولا يستعمل ماضيه، ولا ماضي (يدع) ولا يقال: وذر، ولا ودع، استغناء بقولهم ترك عن ذلك، لان الابتداء بالواو عندهم مكروه، ولذلك أبدلوا منها الهمزة في قولهم { أقتت } والاصل (وقتت)، وقالوا { تخمة } والاصل (وخمة) وكذلك كل ما يصرف منه مما فى أوله واو إلا قولهم: وادع من الدعة فلم يستغنوا عنه بتارك.

وقوله { أولي النعمة } معناه ذوي النعمة أي اصحاب النعمة، والنعمة - بفتح النون - لين الملمس وضدها الخشونة، ومعناه { وذرني والمكذبين } أي ارض بعقاب المكذبين لست تحتاج إلى اكثر من ذلك كما يقال: دعني وإياه، فانه يكفيه ما ينزل به من غير تقصير مما يقع به، وهذا تهدد شديد.

وقوله { ومهلهم قليلاً } أي اخرهم فى المدة قليلا فالتمهيل التأخير فى المدة، وقد يكون التأخير فى المكان، فلا يسمى تمهيلا، فاذا كان في المدة فهو تمهيل كما ان التأخير في الاجل تأجيل آخر.

وقوله { إن لدينا أنكالاً } أي قيوداً - في قول مجاهد وقتادة - واحدها نكل { وجحيماً } أي ناراً عظيمة، وجحيم اسم من اسماء جهنم { وطعاماً ذا غصة } قال ابن عباس: معناه ذا غصة بشوك يأخذ الحلق، فلا يدخل ولا يخرج. وقيل: معناه يأخذ بالحلقوم لخشونته وشدة تكرهه { وعذاباً أليماً } أي عقاباً موجعاً مؤلماً. ثم بين متى يكون ذلك فقال { يوم ترجف الأرض } أي اعتدنا هذه الانواع من العذاب في يوم ترجف الارض أي تتحرك باضطراب شديد { والجبال } أي وترجف الجبال معها أيضاً { وكانت الجبال كثيباً مهيلاً } قال ابن عباس: تصير الجبال رملا سائلا متناثراً، فالكثيب الرمل المجتمع الكثير، ومهيل مفعول من هلت الرمل اهيله وذلك إذا حرك اسفله فسال أعلاه، ويقال: مهيول كما يقال مكيل ومكيول، وانهال الرمل انهيالا و { الغصة } تردد اللقمة في الفم لا يسيغها الذي يروم أكلها قال الشاعر:
لو بغير الماء حلقي شرق   كنت كالغصان بالماء اعتصاري
يقال غص بريقه يغص غصصاً، وفي قلبه غصة من كَذا، وهي كاللذغة التي لا يسيغ معها الطعام ولا الشراب.

وقوله { إنا أرسلنا إليكم رسولاً شاهداً عليكم } اخبار من الله تعالى وخطاب للمكلفين في عصر النبي صلى الله عليه وآله ومن بعده بأنه أرسل اليهم رسولا يدعوهم إلى عبادته وإخلاص توحيده { شاهداً عليكم } بقبولهم إن قبلوا وعليهم إن لم يقبلوا { كما أرسلنا } أي ارسلناه اليكم مثل ما أرسلنا { إلى فرعون رسولا } يعني موسى ابن عمران عليه السلام.

السابقالتالي
2