الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَٱتَّبَعُواْ مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً } * { وَمَكَرُواْ مَكْراً كُبَّاراً } * { وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً } * { وَقَدْ أَضَلُّواْ كَثِيراً وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ ضَلاَلاً } * { مِّمَّا خَطِيۤئَاتِهِمْ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً فَلَمْ يَجِدُواْ لَهُمْ مِّن دُونِ ٱللَّهِ أَنصَاراً } * { وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى ٱلأَرْضِ مِنَ ٱلْكَافِرِينَ دَيَّاراً } * { إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوۤاْ إِلاَّ فَاجِراً كَفَّاراً } * { رَّبِّ ٱغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ ٱلظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَاراً }

قرأ { ما له وولده } بالفتح نافع وعاصم وابن عامر. والباقون بضم الواو وسكون اللام، وهما لغتان مثل حزن وحزن ونخل ونخل وعدم وعدم. وقال قوم: الولد - بالضم - جمع ولد مثل رهن ورهن وعرب وعرب وعجم وعجم. وقرأ نافع { ودّاً } بضم الواو. الباقون بفتحها، وهما لغتان، وهو اسم الصنم. وقال قوم: بالضم المحبة، وبالفتح الصنم. والسواع - ها هنا - صنم، وفى غير هذا الساعة من الليل. ومثله السعواء. وقرأ ابو عمرو { خطاياهم } على جمع التكسير. الباقون { خطيئاتهم } على جمع السلامة.

حكى الله تعالى عن نوح أنه { قال } داعيا الله { يا رب إنهم } يعني قومه { عصوني } فيما آمرهم به وأنهاهم عنه، فالمعصية مخالفة المراد إلى المكروه المزجور عنه. ومخالفة ما أراده الحكيم تكون على وجهين:

احدهما - على المأذون فيه من غير أن يريده.

والآخر - إلى المكروه المزجور عنه، فهو بالأول مقصر عن ما هو الأولى فعله. وبالثاني عاص.

وقوله { واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خساراً } تمام الحكاية عن نوح أنه وصف به قومه بأنهم عصوه فيما دعاهم اليه واتبعوا الذي لم يزده ماله وولده إلا خساراً يعني هلاكاً، فالخسار الهلاك بذهاب رأس المال ففيه معنى الهلاك وليس كذلك الخسران، لانه محتمل للقليل الذي لا يجحفه ذهابه والكثير الذي يجحف وأما الخسار ففيه معنى ذهاب الكثير، ولهذا بني على صفة الهلاك.

وقوله { ومكروا مكراً كباراً } فالمكر الفتل بالحيلة الخفية إلى خلاف الجهة الموافقة بما فيها من المضرة، مكر يمكر مكراً، فهو ماكر، والشيء ممكور به، قال ذو الرمة:
عجزاء ممكورة خمصانة قلق   عنها الوشاح وتم الجسم والقصب
أي ملتفة مفتولة. والكبار الكبير - فى قول مجاهد وابن زيد - يقولون عجيب وعجاب بالتخفيف والتشديد. ومثله جميل وجمال وجمال وحسن وحسان. { وقالوا } يعني الكفار بعضهم لبعض { لا تذرن آلهتكم } أي لا تتركوا عبادة أصنامكم { ولا تذرن وداً ولا سواعاً } وهما صنمان لهم كانوا يعبدونهما، فكانت { ود } لكلب { وسواع } لهمدان " ويغوث " لمذحج " ويعوق " لكنانة " ونسرا " لحمير - في قول قتادة -.

وقوله { قد أضلوا كثيراً } معناه ضل بهم خلق كثير. وقيل: معناه إن عبادتهم أضلت خلقاً عن الثواب لمن استحق العقاب، وأضلهم بالذم والتحسر عن حال أهل الفلاح، وإنما جمع الاصنام بالواو لما أسند اليها ما يسند إلى العالم من استحقاق العبادة، ولم يصرفوا (يغوث) و (يعوق) لأنه على لفظ المضارع من الأفعال، وهي معرفة، وقد نونهما الأعمش، واخراجهما مخرج النكرات أي صنماً من الاصنام.

ثم قال نوح { ولا تزد الظالمين إلا ضلالا } ومعناه إلا عذاباً وسمي العذاب ضلالا كقوله

السابقالتالي
2