الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُواْ قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ } * { عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشِّمَالِ عِزِينَ } * { أَيَطْمَعُ كُلُّ ٱمْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ } * { كَلاَّ إِنَّا خَلَقْنَاهُم مِّمَّا يَعْلَمُونَ } * { فَلآ أُقْسِمُ بِرَبِّ ٱلْمَشَٰرِقِ وَٱلْمَغَٰرِبِ إِنَّا لَقَٰدِرُونَ } * { عَلَىٰ أَن نُّبَدِّلَ خَيْراً مِّنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ } * { فَذَرْهُمْ يَخُوضُواْ وَيَلْعَبُواْ حَتَّىٰ يُلَٰقُواْ يَوْمَهُمُ ٱلَّذِي يُوعَدُونَ } * { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ ٱلأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَىٰ نُصُبٍ يُوفِضُونَ } * { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ ٱلْيَوْمُ ٱلَّذِي كَانُواْ يُوعَدُونَ }

قرأ { نصب } بضمتين أهل الشام، وحفص عن عاصم، وسهل، على انه جمع { نصب } مثل رهن ورهن - فى قول ابي عبيدة - وقال غيره: هما لغتان، مثل ضَعف وضُعف. الباقون بفتح النون خفيفة. والنصب الصنم الذي كانوا يعبدونه، سمي بذلك. وقيل: النصب نصب الصنم الذى كانوا يعبدونه. وقيل: معناه إلى علم يسبقون اليه قد نصب لهم. وقرأ الاعشى { يخرجون } بضم الياء. الباقون بفتحها أضافوا الخروج اليهم.

يقول الله تعالى على وجه الانكار على الكفار { فما للذين كفروا } ومعناه أى شيء للذين كفروا بتوحيد الله وجحدوا نبوتك { قبلك مهطعين } أى نحوك مسرعين - في قول ابي عبيدة - وقال الحسن: معناه منطلقين. وقال قتادة: عامدين وقال ابن زيد: معناه لا يطرقون أى شاخصون. وجميع ذلك بمعنى الاسراع الى الشيء، فمرة بتشوقه ومرة بقصده ومرة بشخوصه. وقال الزجاج: المهطع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله، وذلك من نظر العدو، وإنما أنكر عليهم الاسراع اليه لانهم أسرعوا اليه ليأخذوا الحديث منه ثم يتفرقون عزين بالتكذيب عليه - ذكره الحسن - وقيل: أسرعوا اليه شخوص المتعجب منه. وقيل: أسرعوا اليه لطلب عيب له. وقيل: معناه فما للذين كفروا مسرعين فى نيل الجنة مع الاقامة على الكفر والاشراك بالله فى العبادة.

وقوله { عن اليمين وعن الشمال عزين } قال ابن عباس: عن اليمين والشمال معرضين يستهزؤن، ومعنى { عزين } جماعات فى تفرقة نحو الكراريس واحدهم عزة، وجمع بالواو والنون، لأنه عوض مما حذف منه، ومثله سنة وسنون. وأصل عزة عزوة من عزاه يعزوه إذا أضافه إلى غيره، وكل واحدة من هذه الجماعة مضافة إلى الاخرى، وقال الراعي:
أخليفة الرحمن إن عشيرتي   أمسى سوامهم عزين فلولا
وقوله { أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم } فمن ضم الياء، وهم أكثر القراء جعل الفعل لما لم يسم فاعله. وفتح الحسن الياء لانهم إذا أدخلوا فقد دخلوا. ومعنى الآية الانكار عليهم قولهم: إن دخل أصحاب محمد الجنة، فانا ندخلها قبلهم لا محالة، فقيل وأي شيء لكم عند الله يوجب هذا؟ ولم تحتقرون هؤلاء؟ وقد خلقناهم جميعاً مما يعلمون أي من تراب.

وقوله { كلا إنا خلقناهم مما يعلمون } قال الحسن: خلقناهم من النطفة، وقال قتادة: إنما خلقت من قذر يا بن آدم فاتق الله. وقال الزجاج: أي من تراب، ثم من نطفة، فأي شيء لهم يدخلون به الجنة، وهم لك على العداوة، وهذا حجاج لأن خلقهم من ماء مهين يقتضى أنهم خلقوا للعبادة، فجعل فى خلقهم من هذا عبرة، ولولا ذلك لابتدأهم فى نعيم الجنة، ولم يكن لتنقلهم فى الصور والاحوال معنى فى الحكمة، وقال بعضهم: المعنى خلقناهم من الذين يعلمون أو من الخلق أو الجنس الذي يعلمون ويفقهون، وتلزمهم الحجة، ولم يخلقهم من الجنس الذى لا يفقه كالبهائم والطير، وإنما قال { مما يعلمون } فجمع، لأنه قال قبل ذلك { خلقناهم } فجمع { يعلمون } ووجه أخر وهو أنه خلقهم من أجل ما يعلمون من الثواب والعقاب والتكليف للطاعات تعريضاً للثواب، كما يقول القائل: غضبت عليك مما تعلم أى من أجل ما تعلم قال الاعشى:

السابقالتالي
2 3