الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ سَأَلَ سَآئِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ } * { لِّلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ } * { مِّنَ ٱللَّهِ ذِي ٱلْمَعَارِجِ } * { تَعْرُجُ ٱلْمَلاَئِكَةُ وَٱلرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ } * { فَٱصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً } * { إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً } * { وَنَرَاهُ قَرِيباً } * { يَوْمَ تَكُونُ ٱلسَّمَآءُ كَٱلْمُهْلِ } * { وَتَكُونُ ٱلْجِبَالُ كَٱلْعِهْنِ } * { وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً }

قرأ اهل المدينة وأهل الشام { سال } بغير همز وهو يحتمل أمرين:

احدهما - ان يكون من السيل تقول: سال يسيل سيلا فهو سائل، وسايل واد في جهنم، كما قال { أعوذ برب الفلق } والفلق جب في جهنم. واجمعوا على همزة { سائل } لانه ولو كان من { سال } بغير همز، فالياء تبدل همزة إذا وقعت بعد الالف مثل البائع والسائر من (باع، وسار).

والثاني - بمعنى سأل بالهمزة، لانها لغة يقولون سلت أسال، وهما يتسالان قال الشاعر:
سالت هذيل رسول الله فاحشة   ضلت هذيل بما سالت ولم تصب
فهي لغة أخرى، وليست مخففة من الهمزة الباقون بالهمز من السؤال الذي هو الطلب. وقرأ الكسائي وحده { يعرج } بالياء، لان تأنيث الملائكة ليس بحقيقي، الباقون - بالتاء. وقرأ ابن كثير - في رواية البزي - وعاصم في رواية البرجمي عن ابي بكر { ولا يسأل } بضم الياء. الباقون بفتح الياء اسندوا السؤال إلى الحميم.

حكى الله تعالى انه { سأل سائل بعذاب واقع } قال الفراء: الداعي بالعذاب هو النضر بن كلدة أسر يوم بدر وقتل صبراً، هو وعقبة بن أبي معيط. وقال: تقديره سأل سائل بعذاب { واقع للكافرين } قال ابن: خالويه قال النحويون: إن الباء بمعنى (عن) وتقديره: سأل سائل عن عذاب واقع وانشد:
دع المعمر لا تسأل بمصرعه   واسأل بمصقله البكري ما فعلا
أي لا تسأل عن مصرعه، وهذا الذي سأل العذاب الواقع إنما تجاسر عليه لما كذب بالحق ليوهم أنه ليس فيه ضرر، ولم يعلم انه لازم له من الله. وقال مجاهد: سؤاله فى قولهاللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء } وقال الحسن: سأل المشركون، فقالوا: لمن هذا العذاب الذي يذكره محمد؟ فجاء جوابهم بأنه { للكافرين ليس له دافع } وقيل: معناه دعا داع بعذاب للكافرين، وذلك الداعي هو النبي صلى الله عليه وآله، واللام فى قوله { للكافرين } قيل في معناها قولان:

أحدهما - إنها بمعنى (على) وتقديره سأل سائل بعذاب واقع على الكافرين، ذهب اليه الضحاك.

والثاني - إنها بمعنى (عن) أي ليس له دافع عن الكافرين، وإنما ذكر وعيد الكافر - ها هنا - مع ذكره فى غير هذا الموضع، لأن فيه معنى الجواب لمن سأل العذاب الواقع، فقيل له: ليس لعذاب الكافرين دافع، فاعمل على هذا، وتقدم نظيره وتأخر، والدافع هو الصارف للشيء عن غيره باعتماد يزيله، عنه دفعه عن كذا يدفعه دفعاً، فهو دافع وذاك مدفوع.

وقوله { من الله ذي المعارج } يعني مصاعد الملائكة. وقيل: معناه ذي الفواضل العالية، فيكون وصفاً لله تعالى، وتقديره من الله ذي المعالي التي هي الدرجات التي يعطيها أولياءه من الانبياء والمؤمنين فى الجنة، لانه يعطيهم درجات رفيعة ومنازل شريفة، والمعارج مواضع العروج، واحدها معرج، عرج يعرج عروجاً والعروج الصعود مرتبة بعد مرتبة، ومنه الأعرج لارتفاع احدى رجليه عن الأخرى وقال قتادة: معنى ذي المعارج ذي الفواضل والنعم، لأنها على مراتب.

السابقالتالي
2