الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَدِ ٱفْتَرَيْنَا عَلَى ٱللَّهِ كَذِباً إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا ٱللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَآ أَن نَّعُودَ فِيهَآ إِلاَّ أَن يَشَآءَ ٱللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا ٱفْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِٱلْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ ٱلْفَاتِحِينَ }

في هذه الأية اخبار من الله عما قال شعيب لقومه من أنه قد افترى هو ومن آمن به على الله كذباً إِن عاد في ملتهم بأن يحللوا ما يحللونه ويحرموا ما يحرمونه وينسبونه الى الله بعد إِذ نجاهم الله منها.

والافتراء الكذب، ومنه الافتعال، والاختلاق وهو القطع بخبر مخبره لا على ما هو به، مشتقاً من فري الأديم تقول فريت الأديم أفريه فرياً.

والملة الديانة التي تجتمع على العمل بها فرقة عظيمة. والأصل فيه تكرر الامر من قولهم طريق مليل اذا تكرر سلوكه حتى توطأ، ومنه الملل وهو تكرر الشىء على النفس حتى تضجر. والملة الرماد الحار يدفن فيه الخبز حتى ينضج لتكرر الحمي عليها، ومنه المليلة من الحمى. والملة لتكرر العمل فيها على ما تأتي به الشريعة.

وقوله { بعد إِذ نجانا الله منها } باقامة الدليل والحجج على بطلانها، وعلمنا بذلك وانتهائنا عنها. وقوله { ربنا افتح } قال ابن عباس: ما كنت أدري معنى قوله { ربنا افتح } حتى سعمت بنت سيف بن ذي يزن تقول: تعال حتى أفاتحك يعني أقاضيك.

وقوله { وما يكون لنا أن نعوذ فيها إِلا أن يشاء الله ربنا } إِخبارعن قول شعيب لهم أنه ليس له أن يعود في ملتهم، ويرجع فيها إِلا بعد مشيئة الله ذلك. وقيل في معنى هذه المشيئة مع حصول العلم بأنه لا يشاء تعالى عبادة الاصنام والأوثان ثلاثة أقوال:

أحدها - أن في ملتهم أشياء كان يجوز أن يتعبد الله بها، فلو شاءها منهم لوجب عليهم الرجوع فيها.

الثاني - أنه اذا فعل ما شاء الله كان ذلك طاعة لله تعالى.

الثالث - أنه علق ما لا يكون بما علم أنه لا يكون على وجه التبعيد كما قال الشاعر:
إِذا شاب الغراب أتيت أهلي   وصار القار كاللبن الحليب
وكما قال تعالىحتى يلج الجمل في سم الخياط } وجه ذلك - ها هنا - أنه كما لا يشاء الله عبادة الأصنام والقبائح - لأن ذلك لا يليق بحكمته - فكذلك لا أعود في ملتكم. وقال قوم: فيه وجه رابع، وهو أن الهاء في قوله { فيها } راجعة الى القرية، وكأنه قال: وما يكون لنا أن نعود في قريتكم غانمين لكم ظاهرين عليكم بعد اذ نجانا الله منها بخروجنا منها سالمين إِلا أن يشاء الله أن ينصرنا عليكم ويشاء منا الرجوع فيها.

وقوله { وسع ربنا كل شيء علماً } نصب (علماً) على التمييز.

وقيل في وجه اتصال ذلك بما قبله قولان:

أحدهما - أن الملة إِنما يتعبد بها على حسب ما في معلومه من مصلحة العباد بها، فهو تعالى لا يخفى عليه ذلك.

السابقالتالي
2