الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تَقْعُدُواْ بِكُلِّ صِرَاطٍ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ مَنْ آمَنَ بِهِ وَتَبْغُونَهَا عِوَجاً وَٱذْكُرُوۤاْ إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلاً فَكَثَّرَكُمْ وَٱنْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قيل في معنى قوله { ولا تقعدوا } بكل صراط توعدون قولان: أحدهما - قال ابن عباس والحسن وقتادة ومجاهد: إِنهم كانوا يقعدون على طريق من قصد شعيباً للايمان به فيخوفونه بالقتل. وقال أبو هريرة: إِنما نهاهم عن قطع الطريق.

وقوله { بكل صراط توعدون } يجوز فيه تعاقب حروف الاضافة بأن يقول: على كل صراط، وفي كل صراط، لأن معاني هذه الحروف اجتمعت فيه - ها هنا - كما تقول: قعد له بكل مكان، وعلى كل مكان، وفى كل مكان، لأن الباء للالصاق وهو قد لاصق المكان، و (على) للاستعلاء، وهو قد علا المكان، و (في) للمحل وهو قد حلَّ المكان. ويقال: قعد عن الأمر بمعنى ترك العمل به كائناً ما كان، وقام به إذا عمل به كالقعود عن الواجب ونحوه. ومعنى الايعاد الاخبار بالعذاب على صفة من الصفات، وهو الوعيد والتهديد، فاذا ذكر المتعلق من الخير أو الشر قلت: وعدته كذا، كما قال تعالىالنار وعدها الله الذين كفروا } واذا لم يذكر قيل في الخير وعدته، وفى الشر أوعدته. وتقول: وعدته خيراً بلا باء وأوعدته بالشر باثبات الباء.

وقوله { وتصدون عن سبيل الله } فالصد هو الصرف عن الفعل بالاغواء فيه، كما يصد الشيطان عن ذكر الله وعن الصلاة. تقول: صده عن الأمر يصده صداً، وهو كالمنع.

وقوله { من آمن به } (من) في موضع نصب، لأنه مفعول به، وتقديره وتصدون المؤمنين بالله عن اتباع دينه، وهو سبيل الله.

وقوله { وتبغونها عوجاً } فالهاء راجعة الى السبيل، ومعنى " تبغون " تطلبون، والبغية الطلبة: بغاه يبغيه بغية. والمعنى - ها هنا - وتبغون السبيل عوجاً عن الحق، وهو أن يقولوا: هذا كذب وباطل وما أشبه ذلك، وهو قول قتادة. والعوج - بكسر العين - في الدين وكل ما لا يرى - وبفتح العين - في العود وكل ما يرى كالحائط وغيره.

وقوله { واذكروا إِذ كنتم قليلاً فكثركم } قال الزجاج: يحتمل أشياء:

أحدها - اذكروا نعمة الله عليكم إِذ كثر عددكم.

وثانيها - انه كثركم بالغنى بعد الفقر.

وثالثها - كثركم بالقدرة بعد الضعف، ووجهه أنهم كانوا فقراء وضعفاء، فهم بمنزلة القليل في قلة الغناء.

وقوله { وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين } معناه فكروا فيما مضى من إِهلاك من تقدم بأنواع العذاب وانزال العقوبات بهم واستئصال شأفتهم وما فعل الله بالمفسدين، وكيف كان عاقبتهم في ذلك وما حلَّ - بهم من البوار.