الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ ٱمْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ ٱلْغَابِرِينَ } * { وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَّطَراً فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُجْرِمِينَ }

أخبر الله تعالى أنه أنجى لوطاً ومن معه بمعنى أنه خلصه من الهلاك { وأهله } يعني المختصين به. والأهل هو المختص بالشىء اختصاص القرابة، ولذلك قيل: أهل البلد لأنهم بلزومهم سكناه قد صاروا على مثل لزوم القرابة. وقوله { إِلا امرأته } استثنى من جملة من أنجاه مع لوط من أهله امرأته، لأن امرأته أراد به زوجته ولا يقال: مرؤها بمعنى زوجها، لأنه صار بمنزلة المالك لها. وليست بمنزلة المالكة له. وإِنما تجري هذه الاضافة التي بمعنى اللام على طريقة الملك. وقوله { كانت من الغابرين } يعني من الباقين في عذاب الله - في قول الحسن وقتادة.

فان قيل: فعلى هذا يجب أن تكون امرأته ممن نجى لأنه تعالى قال { كانت من الغابرين } أي الباقين.

قلنا: المعنى إِنها من الباقين في عذاب الله، على ما حكيناه عن الحسن وقتادة. وقال قوم: معناه إِنها من الباقين قبل الهلاك والمعمرين الذين قد أتى عليهم دهر طويل حتى هرمت فيمن هرم من الناس، وكانت ممن غبر الدهر عليه قبل هلاك القوم. ثم هلكت فيمن هلك من قوم لوط.

وقيل: أراد بذلك من الباقين في عذاب الله، ذكر ذلك قتادة.

وانما قلنا: إِنها كانت من الهالكين، لقوله في سورة هودإِنه مصيبها ما أصابهم } ذكر ذلك البلخي والطبري، فالغابر الباقي. ويقال: غبر يغبر غبوراً وغبراً اذا بقي قال الأعشى:
عض بما أبقى المواسي له   من أمه في الزمن الغابر
وقال آخر:
وأبي الذي فتح البلاد بسيفه   فأذلها لبني أبان الغابر
وقال الزجاج { من الغابرين } عن النجاة. ومنه الغبرة بقية أثر البياض بعد الامتزاج بغيره من الألوان. وقال الرماني: هذا استثناء متصل، لأنه يجوز أن يدخل الزوجة في الأهل على التغليب في الجملة دون التفصيل كما قاليا نوح إِنه ليس من أهلك } ومن أجل التغليب قال { من الغابرين } ولم يقل من الغابرات. ويقوي في نفسي أنه استثناء منقطع، لأن الزوجة لا تدخل تحت قولنا: الأهل حقيقة، وقد بينا ذلك في سورة البقرة مستوفاً.

وقوله { وأمطرنا عليهم مطراً } وأمطرها الله إِمطاراً. وقيل: أمطر عليهم حجارة من سجيل، وهذا اخبار من الله تعالى عما أنزله الله بقوم لوط من العذاب.

وقوله { فانظر كيف كان عاقبة المجرمين } أمر للنبي (صلى الله عليه وسلم) والمراد به جميع المكلفين بأن يتفكروا في ذلك ويعلموا كيف كان عاقبة المجرمين، يعني الى ما صار اليه عاقبة هؤلاء العاصين. و (كيف) سؤال عن حال إِلا أنها تقع في التسوية، لأن فيها ادعاء. واذا قال القائل: كيف هو، معناه قد علمت ما يطلبه الطالب كيف هو من حاله. والعاقبة آخر ما تؤدي اليه التأدية، وأصله كون الشىء في أثر الشىء ومنه العقاب، لأنه يستحق عقيب الذنب، ومنه العقاب لأنه يعقب على صيده لشدته، والعَقِب، لأنه عقب به بشدة شيئاً بعد شىء. والاجرام اقتراف السيئة، أجرم إِجراماً اذا أذنب والجرم الذنب وأصله القطع فالمجرم منقطع عن الحسنة الى السيئة، وفائدة الآية الاخبار عن سوء عاقبة المجرمين بما أنزل عليهم عاجلاً من عذاب الاستئصال قبل عذاب الآخرة بالنيران.