قد بينا معنى قوله { أوَ عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم } فلا معنى لاعادته. وانما أنكر العجب مع أنه خفي بسببه، وخرج عن العادة لظهور الدلائل فيه وقيام البراهين عليه من الارسال اليهم من تنبيههم على ما اغفلوه وتعريفهم ما جهلوه. والفرق بين العَجب والعُجب، أن العجب - بضم العين - عقد النفس على فضيلة لا ينبغي ان يعجب منها السبب لها، وليس كذلك العجب - بفتح العين والجيم - لانه قد يكون حسنا. وقد قيل في المثل (لا خير فيمن لا يتعجب من العجب وأرذل منه المتعجب من غير عجب). وقوله { واذكروا إذ جعلكم خلفاء } فخلفاء جمع خليفة، وهو الكائن بدل غيره ليقوم بالامر مقامه في تدبيره. وخلفاء جمعه على التذكير مثل ظريف وظرفاء، ولو جمعه على اللفظ لقال: خلائف نحو كريمة وكرائم، وورد ذلك في القرآن، قال الله تعالى{ هو الذي جعلكم خلائف } وقوله { من بعد قوم نوح } امتنان عليهم بما مكنهم في الارض وجعلهم بدل قوم نوح حين أهلكهم الله. وقوله { وزادكم في الخلق بسطة } قريء بالسين والصاد وقيل في معناه قولان: احدهما - قال ابن زيد: زادهم قوة. وقال غيره: أراد به المرة من بسط اليدين اذا فتحت على أبعد أقطارها. وقال الزجاج والرماني: كان أقصرهم طوله سبعين ذراعا وأطولهم مئة ذراع. وقال قوم: كان أقصرهم اثني عشر ذراعا. وقال ابو جعفر (ع): كانوا كأنهم النخل الطوال، وكان الرجل منهم ينحت الجبل بيده فيهدم منه قطعة. وقوله { فاذكروا الآء الله } قال الحسن وغيره: الآلاء النعم في واحدها لغات: (ألاً) مثل (معاً) و (ألا) مثل " قفا " و " اليَّ " مثل " حسي " و " إِلى " مثل " دمى " قال الشاعر:
أبيض لا يرهب الهزال ولا
يقطع رحما ولايخون إِلا
إِلا وألا رويا جميعا. وقوله { لعلكم تفلحون } معناه اذكروا نعم الله واشكروه عليها لكي تفوزوا بثواب الجنة والنعيم الدائم الابدي.