الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ أَوَ عَجِبْتُمْ أَن جَآءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }

في هذه الآية تقريع من نوح (ع) لقومه على صورة الاستفهام بأنهم عجبوا أن جاءهم ذكر من ربهم. وإِنما دخل الاستفهام معنى التقريع، لأن المجيب لا يأتي الا بما يسوء من القبيح، فهو إِنكار وتقريع، وقد يدخل معنى التمني، لأنه بمنزلته في انه طلب، لأن يكون أمر، وإِنما فتحت الواو في قوله { أوَعجبتم } لأنها واو العطف دخل عليها ألف الاستفهام، فالكلام مستأنف من وجه، متصل من وجه، كما أن المبتدأ في خبر الأول بهذه الصفة. والتعجب تغير النفس بما خفي سببه، وخرج عن العادة مثله، لأنه لا مثل له في العادة. والذكر حضور المعنى للنفس، والذكر على وجهين: ذكر البيان وذكر البرهان، فذكر البيان احضار المعنى للنفس، وذكر البرهان الشهادة بالمعنى في النفس، وكلا الوجهين يحتمل في الآية.

وقوله { على رجل منكم } فالرجل هو إِنسان خارج عن حد الصبي من الذكران، وكل رجل انسان، وليس كل انسان رجلاً، لأن المرأة انسان.

وقيل في دخول (على) في قوله { على رجل منكم } قولان:

أحدهما - أنه بمعنى مع رجل منكم، قال الفراء: كما تقول: جاءني الخير على وجهك ومع وجهك.

الثاني - لأن فيه معنى منزل { على رجل منكم }.

وقوله { لينذركم } فالانذار هو الاعلام بموضع المخافة، والتحذير هو الزجر عن موضع المخافة. وقوله { ولتتقوا ولعلكم ترحمون } معناه إِن الله تعالى أرسل هذا الرسول مع هذا الذكر، وأراد انذاركم، وغرضه أن تتقوا معاصيه لكي يرحمكم ويدخلكم الجنة ونعيم الأبد.

وفي ذلك دلالة على بطلان مذهب المجبرة: أن الله تعالى لم يرد منهم أن يتقوا ولا أن يؤمنوا.