الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَنَسْأَلَنَّ ٱلَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ ٱلْمُرْسَلِينَ } * { فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ }

الفاء في قوله { فلنسئلن الذين } عطف جملة على جملة، وقد يكون لهذا، وقد يكون لعطف مفرد على مفرد، وقد يكون للجواب. وانما دخلت الفاء وهي موجبة للتعقيب مع تراخي ما بين الاول والثاني، وذلك يليق بـ (ثم) لتقريب ما بينهما، كما قالاقتربت الساعة } وقالوما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } وقالأو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم } وبينهما بعد.

والنون في قوله { فلنسألن } نون التأكيد يتلقى بها القسم، وانما بني المضارع مع نون التأكيد، لانه انما دخلت عليه طلباً للتصديق، كما ان الامر طلب للفعل فأدخلت عليه نون التأكيد وتثبت مع الفعل، لان هذه الزيادة التي لا تكون للاسم باعدته كما باعدت الالف واللام ما لا ينصرف من الفعل، فانصرف.

أقسم الله تعالى في هذه الآية انه يسأل المكلفين الذين ارسل اليهم رسله واقسم أيضا انه ليسأل الصادقين المرسلين الذين بعثهم، فيسأل هؤلاء عن الابلاغ ويسأل اولئك عن الامتثال، وهو تعالى وان كان عالما بما كان منهم، فانما أخرجه مخرج التهديد والزجر ليتأهب العباد ويحسنوا الاستعداد لذلك السؤال.

وحقيقة السؤال طلب الجواب بأداته في الكلام، وحقيقة الاستخبار طلب الخبر بأداته في الكلام.

وقوله { فلنقصن عليهم بعلم } قسم آخر، واخبار منه تعالى انه يقص عليهم بما عملوه فانه علم جميع ذلك. وانما ذكره بنون الجمع لاحد أمرين:

احدها - ان هذا على كلام العظماء من الملوك لان أفعالهم تضاف الى أوليائهم.

والثاني - ان الملائكة تقص عليهم بأمر الله.

وقال ابن عباس نقص عليه بما نجده في كتاب عمله.

وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) انه قال: " ان الله يسأل كل احد بكلامه له ليس بينه وبينه ترجمان " والقص ما يتلو بعضه بعضا. ومنه المقص، لان قطعه يتلو بعضه بعضا، ومنه القصة من الشعر، والقصة من الكتاب، ومنه القصاص لانه يتلو الجناية في الاستحقاق، ومنه المقاصة في الحق، لانه يسقط ما له قصاصا بما عليه. وانما دخلت نون التأكيد مع لام القسم في المضارع دون الماضي، لانها تؤذن بطلب الفعل الذي تدخل فيه نحو (لأكرمَنَّ زيداً) فان فيه طلب الاكرام بأداته، فالتصديق بالقسم، ولهذا ألزمت النون في طلب الفعل من جهتين، وفتحت هذه النون ما قبلها في جمع المتكلم، ولم تفتحه في الغائب، لان الضمة يجب ان تبقى لتدل على الواو المحذوفة في (ليقصنَّ) بالياء وليس كذلك المتكلم، لانه لا واو فيه.

ومعنى قوله { بعلم } قيل فيه وجهان: احدهما بأنا عالمون، والآخر بمعلوم، كما قالولا يحيطون بشيء من علمه } أي من معلومه، ووجه المسألة له والقصص عليهم أنه سؤال توبيخ وتقريع للضالين، وسؤال تذكير وتنبيه للمؤمنين، فبمقدار ما يغتم أولئك يسّر هؤلاء.

السابقالتالي
2