الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَهُوَ ٱلَّذِي يُرْسِلُ ٱلرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّىٰ إِذَآ أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ ٱلْمَآءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ ٱلثَّمَرَاتِ كَذٰلِكَ نُخْرِجُ ٱلْموْتَىٰ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }

قرأ ابن كثير وحمزة والكسائى وخلف { الريح } على التوحيد، ها هنا وفي النمل، والثانى من الروم وفي فاطر وقرأ عاصم { بشراً } بالباء وضمها وسكون الشين. وقرأه نافع بالنون وضمها وضم الشين وهم أهل الحجاز والبصرة، وكذلك الخلاف في الفرقان، والنمل.

قال أبو علي (الريح) إِسم على وزن (فِعَل)، والعين منه واو فانقلبت ياء في الواحد للكسرة وصحت في الجمع القليل، لأنه لا شيء يوجب الاعلال ألا ترى أن الفتحة لا توجب اعلال هذه الواو في مثل يوم وقول وعون قال ذو الرمة:
اذا هبت الأرواح من نحو جانب   به آل ميِّ هاج شوقي هبوبها
وليس ذلك كعيد وأعياد، لأن هذا بدل لازم وليس البدل في الريح كذلك. فاما في الجمع الكثير فرياح انقلبت الواو بالكسرة التي قبلها كما انقلبت في نحو ديمة وديم، وحيلة وحيل، وفي رياح أجدر، لوقوع الالف بعدها، والالف تشبه الياء، والياء إِذا تأخرت عن الواو وجب فيها الاعلال فكذلك الألف لشبهها بها، والريح على لفظ الواحد، ويجوز ان يراد بها الكثرة، لقولهم: كثير الدرهم والدينار، وقوله { إن الإنسان لفي خسر } ثم قالإِلا الذين آمنوا } فكذلك من قرأ { الريح بشراً } فأفرد، ووصفه بالجمع، فانه حملها على المعنى. وقد أجاز أبو الحسن ذلك وقال الشاعر:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة سوداً   
ومن نصب جاء قوله على المعنى، لأن المفرد يراد به الجمع، وهذا وجه قراءة ابن كثير لأنه أفرد (الريح) ووصفه بالجمع، فلا يكون (الريح) على هذا اسم جنس وقول من جمع الريح اذا وصفها بالجمع أحسن إِذ الحمل على المعنى أقل من الحمل على اللفظ، ويؤكد ذلك قولهالرياح مبشرات } فلما وصفت بالجمع جمع الموصوف أيضاً. فأما ما جاء في الحديث من أن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان يقول اذا هبت ريح: " اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً " فلأن عامة ما جاء بلفظ الرياح السقيا والرحمة، كقولهوأرسلنا الرياح لواقح } وقولهومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات } وقولهالله الذي يرسل الرياح فتثير سحابا فيبسطه في السماء } وما جاء بخلاف ذلك جاء على الافراد كقولهوفي عاد إِذ أرسلنا عليهم الريح العقيم } وقولهوأما عاد فأهلكوا بريح صرصر } وقولهبل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم } قال أبو عبيدة { نشراً } أي متفرقة من كل جانب، وقال أبو زيد:

انشر الله الموتى إِنشاراً اذا بعثها وأنشر الله الريح مثل أحياها، فنشرت الجنوب وأحييت، والدليل على ذلك قول المراد الفقسي:
وهبت له ريح الجنوب واحييت   له ريدة يحيي المياه نسيمها
والريدة والريدانة الريح، قال الشاعر:
إِني لأرجو أن تموت الريح   فأقعد اليوم واستريح
ومن قرأ " نشراً " بضم النون والشين يحتمل ضربين: جمع ريح، ريح نشور وريح ناشر، ويكون على معنى النِّسب فاذا جعله جمع نشور احتمل أمرين: أحدهما - أن يكون النشور بمعنى المنشر كما أن الركوب بمنزلة المركوب كان المعنى ريح أو رياح منشرة، ويجوز أن يكون نشراً جمع نشور يريد به الفاعل مثل طهور ونحوه من الصفات.

السابقالتالي
2 3