الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي ٱلأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَٱدْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ ٱللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ ٱلْمُحْسِنِينَ }

نهى الله تعالى في هذه الآية عن الفساد في الارض وهو الاضرار بما تمنع الحكمة منه يقال: أفسد الحر التفاحة اذا أخرجها الى حال الضرر بالتغيير.

والاصلاح النفع بما تدعو اليه الحكمة ولذلك لم تكن الآلام في النار إِصلاحاً لأهلها، لأنه لا نفع لهم فيها. وقال الحسن: إِفساد الأرض بالقتل للمؤمنين والاعتداء عليهم. وقيل: إِفساد الأرض العمل فيها بمعاصي الله، وإِصلاحها العمل فيها بطاعة الله.

وقوله { وادعوه خوفاً وطمعاً } أمر من الله تعالى لهم أن يدعوه خوفاً وطمعاً، وهما منصوبان على المصدر، وهما في موضع الحال. وتقديره ادعوا ربكم خائفين من عقابه طامعين في ثوابه. والخوف هو الانزعاج بما لا يؤمن، والأمن سكون النفس الى انتفاء المضار، والخوف يكون بالعصيان. والأمنُ بالايمان. والطمع توقع المحبوب، ونقيضه اليأس وهو القطع بانتفاء المحبوب.

وقوله { إِن رحمة الله قريب من المحسنين } إِخبار منه تعالى أن رحمته قريبة واصلة الى المحسن. والاحسان هو النفع الذي يستحق به الحمد. والاساءة هي الضرر الذي يستحق به الذم. وقيل: المراد بالمحسنين من تكون أفعاله كلها حسنة وهذا لا يقتضيه الظاهر، بل الذي يفيده أن رحمة الله قريب الى من فعل الاحسان، وليس فيها أنها لا تصل الى من جمع بين الحسن والقبيح بل ذلك موقوف على الدليل. وقال الفراء: إِنما لم يؤنث قوله { قريب } وهو وصف لـ { رحمة } لأنه ذهب مذهب المكان، وما يكون كذلك لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث. ولو ذهب به مذهب النِّسب أنث وثني وجمع قال عروة بن حزام:
عشية لا عفراء منك قريبة   فتدنوا ولا عفراء منك بعيد
وقال الزجاج هذا غلط بل كل ما قرب من مكان أو نسب فهو جائز عليه التأنيث والتذكير. وجعله الأخفش من باب الصيحة والصياح، لأن الرحمة والاحسان والانعام من الله واحد. وقال بعضهم المراد بالرحمة ها هنا المطر فلذلك ذكر.