الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ ٱلَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَآءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِٱلْحَقِّ فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَآءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ ٱلَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ }

قوله { هل ينظرون } معناه هل ينتظرون. لأن النظر قد يكون بمعنى الانتظار، قال أبو علي: معناه هل ينتظر بهم أو هل ينتظر المؤمنون بهم إِلا ذلك. وإِنما أضافه اليهم مجازاً، لأنهم كانوا جاحدين لذلك غير متوقعين، وإِنما كان ينتظر بهم المؤمنون، لايمانهم بذلك واعترافهم به. والانتظار هو الاقبال على ما يأتي بالتوقع له. وأصله الاقبال على الشىء بوجه من الوجوه. وإِنما قيل لهم: ينتظرون وإِن كانوا جاحدين، لأنهم في منزلة المنتظر أي كأنهم ينتظرون ذلك، لأنه يأتيهم لا محالة إِتيان المنتظر.

والتأويل معناه ما يؤل اليه حال الشىء تقول: أوَّله تأويلا، وتأوله تأولاً، وآل اليه أمره يؤل أولا، وقيل { تأويله } عاقبته من الجزاء به - في قول الحسن وقتادة ومجاهد - وقال أبو علي { تأويله } ما وعدوا به من البعث والنشور والحساب والعقاب.

وقوله { يقول الذين نسوه من قبل } قيل في معناه قولان:

أحدهما - قال مجاهد: أعرضوا عنه فصار كالمنسي.

الثاني - قال الزجاج: يقول الذين تركوا العمل به.

وقوله { قد جاءت رسل ربنا بالحق } إِخبار عن اعتراف الكفار الذين أعرضواعن حجج الله وبيِّناته والاقرار بتوحيده ونبوة أنبيائه، وإِقرار منهم بأن ما جاءت به الرسل كان حقاً. والحق ما شهد بصحته العقل، وضده الباطل، وهو ما يشهد بفساده العقل.

وقوله { فهل لنا من شفعاء فيشفعوا } والشفيع هو السائل لصاحبه اسقاط العقاب عن المشفع فيه، والعفو عن خطيئته فيتمنون ذلك مع يأسهم منه - في قول أبي علي - وقوله { فيشفعوا لنا } في موضع نصب، لأنه جواب التمني بالفاء { أو نرد } عطف بالرفع على تأويل هل يشفع لنا شافع { أو نرد } ولو نصب { أو نرد } كان جائزاً. ومعناه فيشفعوا لنا إِلا أن نرد، وما قرىء به.

وقوله { فنعمل غير الذي كنا نعمل } إِخبار من الكفار وتمنيهم أن يردوا الى الدنيا حتى يعملوا غير ما عملوه من الكفر والضلال. فأخبر الله تعالى عند ذلك، فقال { قد خسروا أنفسهم } أي أهلكوها بالكفر والمعاصي { وضل عنهم ما كانوا يفترون }.

وفى الآية دلالة على فساد مذهب المجبرة من وجهين:

أحدهما - أنهم كانوا قادرين على الايمان في الدنيا فلذلك طلبوا تلك الحال، ولو لم يكونوا قادرين لما طلبوا الرد الى الدنيا والى مثل حالهم الأولى.

والآخر - بطلان مذهب المجبرة في تكليف أهل الآخرة، قال أبو علي: وهو مذهب الحسين النجار وهو خلاف القرآن والاجماع، ولو كانوا مكلفين لما طلبوا الرجوع الى الدنيا ليؤمنوا بل كانوا يؤمنون في الحال.

ومعنى { خسروا أنفسهم } أي منعوا من الانتفاع بها، ومن منع الانتفاع بنفسه فقد خسرها { وضل عنهم ما كانوا يفترون } معناه ضل عنهم ما كانوا يدعون أنهم شركاء لله وآلهة معه، وهذا كان افتراؤهم على الله.