الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ دِينَهُمْ لَهْواً وَلَعِباً وَغَرَّتْهُمُ ٱلْحَيَٰوةُ ٱلدُّنْيَا فَٱلْيَوْمَ نَنسَـٰهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَآءَ يَوْمِهِمْ هَـٰذَا وَمَا كَانُواْ بِآيَٰتِنَا يَجْحَدُونَ }

يحتمل قوله { الذين اتخذوا دينهم } أن يكون في موضع جرٍّ بأن يكون صفة للكافرين، ويكون ذلك من قول أهل الجنة، وتقديره { إِن الله حرمهما على الكافرين الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً }. ويحتمل أن يكون رفعاً بالابتداء ويكون إِخباراً من الله تعالى على وجه الذم لهم.

و { اتخذوا } وزنه وزن (افتعلوا) والاتخاذ الافتعال، وهو أخذ الشىء باعداد الأمر من الأمور، فهؤلاء أعدوا الدِّين للهو واللعب. ومعنى الدين - ها هنا - ما أمرهم الله تعالى به ورغبهم فيه مما يستحق به الجزاء. واصل الدين الجزاء، ومنه قوله { ملك يوم الدين } واللهو طلب صرف الهمِّ بما لا يحسن أن يطلب به، فهؤلاء طلبوا صرف الهمَّ بالتهزيء بالدين وعيب المؤمنين، واللعب طلب المدح بما لا يحسن ان يطلب به مثل حال الصبي في اللعب واشتقاقه من اللعاب وهو المرور على غير استواء. وأصل اللهو الانصراف عن الشىء ومنه قوله (إِذا استأثر الله بشىء لاه عنه) أي انصرف عنه.

وقوله { وغرَّتهم الحياة الدنيا } فمعنى الغرور تزيين الباطل للوقوع فيه، غرَّه يغره غروراً. وإِنما اغتروا هم بالدنيا في الحقيقة فصارت وكأنها غرتهم. والدنيا هي النشأة الاولى. والآخرة النشأة الآخرى، وسميت الدنيا دنياً لدنوها من الحال، وهما كرتان، فالكرة الاولى الدنيا، والكرة الثانية هي الآخرة.

وقوله { فاليوم ننساهم } قيل في معناه قولان:

أحدهما - نتركهم من رحمتنا بأن نجعلهم في النار - في قول ابن عباس والحسن ومجاهد والسدي - فسمى الجزاء على تركهم طاعة الله نسياناً، كما قالوجزاء سيئة سيئة مثلها } والجزاء ليس سيئة.

الثاني - أنه يعاملهم معاملة المنسيين في النار، لأنه لا يجاب لهم دعوة ولا يرحم لهم عبرة - في قول الجبائي - { كما نسوا لقاء يومهم } معناه كما تركوا الاستعداد للقاء يومهم، هذا على القول الاول. وعلى الثاني - كما نسوا في أنهم لم يعملوا به مثل الناسين لذلك لا نجيب لهم دعوة، لأنهم نسوا.

وقوله { وما كانوا بآياتنا يجحدون } فالجحد إِنكار معنى الخبر. واما إِنكار المنكر، فبكل ما يصرف عن فعله الى تركه. و (ما) في الموضعين مع ما بعدها بمنزلة المصدر، والتقدير كنسيانهم لقاء يومهم هذا، وكونهم جاحدين لآياتنا.