الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَنَادَىۤ أَصْحَابُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَابَ ٱلنَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّاً فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّاً قَالُواْ نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ }

قرأ حمزة، والكسائي وابن كثير في رواية شبل { أنَّ } مشددة النون. الباقون خفيفة. وكذلك ابن كثير في رواية قنبل بتخفيف النون وسكونها ورفع { لعنة }. الباقون بتشديد النون ونصب { لعنة }. وقرأ الكسائي وحده { قالوا نعم } بكسر العين. وفي الشعراء { قال نعم } وفي الصافات { قل نعم } بفتح النون. قال ابو الحسن الاخفش: نَعم ونِعم لغتان، فالكسر لغة كنانة وهذيل، والفتح لغة باقي العرب، وفي القراءة الفتح. وقال سيبويه { نَعم } عدة وتصديق فاذا استفهمت اجبت بـ { نعم }. ولم يحك سيبويه الكسر، ومعنى قوله: عدة وتصديق انه يستعمل عدة ويستعمل تصديقا، ولا يريد أن العدة تجتمع مع التصديق ألا ترى انه اذا قال قائل: اتعطيني، فقال: نعم، كان عدة، ولا تصديق في ذلك، واذا قال: قد كان كذا وكذا، فقلت نعم، فقد صدقته، ولا عدة في هذا.

وقوله { فأذن مؤذن } بمنزلة اعلم معلم، قال سيبويه: أذن اعلام بصوت، فالتي تقع بعد العلم. و (أن) إِنما هي الشددة او المخفضة عنها والتقدير اعلم معلم ان لعنة الله. ومن خفف (ان) كان على اضمار القصة والحديث، فتقديره انه لعنة الله، ومثل ذلك قولهوآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين } والتقدير (انه) ولا تخفف (ان) الا مع اضمار الحديث فالقصة تراد معها. ومن ثقل نصب بـ (ان) ما بعدها، كما ينصب بالمشددة المكسورة. والمكسورة اذا خففت لا يكون ما بعدها على اضمار القصة والحديث، كما تكون المفتوحة كذلك.

والفرق بينهما ان المفتوحة موصولة، والموصولة تقتضي صلتها، فصارت لاقتضائها الصلة اشد اتصالا بما بعدها من المكسورة، فقدِّر بعدها الضمير الذي هو من جملة صلتها، وليست المكسورة كذلك، لان (ان) المفتوحة بمعنى المصدر، فلا بدَّ لها من اسم وخبر، لانها تلتغي بأن يكون دخولها كخروجها، وليس كذلك (ان)، ومن المفتوحة قول الاعشى:
في فتية كسيوف الهند قد علموا   ان هالك كل من يخفى وينتعل
وأما قراءتهم في النورأن غضب الله } فان (ان) في موضع رفع بأنه خبر المبتدأ، واما قراءة نافع { أن غضب الله } فحسن، وهو بمنزلة قولهوآخر دعواهم أن الحمد لله } وليس لاحد ان يقول: هذا لا يستحسن لان المخففة من الشديدة لا يقع بعدها الفعل حتى يقع عوض من حذف (ان) ومن أنها تولى ما يليها من الفعل، يدل على ذلكعلم أَن سيكون منكم } وقولهلئلا يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء } وذلك انهم استجازوا ذلك وان لم يدخل معه شيء من هذه الحروف، لانه دعاء، وليس شيء من هذه الحروف يحتمل الدخول معه، ونظير هذا في انه لما كان دعاء لم يلزمه العوض قولهنودي أن بورك من في النار ومن حولها }

السابقالتالي
2