الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ ٱلْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَٱلإِثْمَ وَٱلْبَغْيَ بِغَيْرِ ٱلْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِٱللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ }

لما أنكر تعالى على من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، وذكر أنه أباح ذلك للمؤمنين في دار الدنيا بيَّن عقيب ذلك ما حرمه عليهم، فقال { قل } يا محمد { إِنما حرَّم ربي الفواحش } ومعناه لم يحرم ربي إِلا الفواحش، لأنا قد بينا أن { إِنما } تدل على تحقيق ما ذكر، ونفي ما لم يذكر.

والتحريم هو المنع من الفعل باقامة الدليل على وجوب تجنبه، وضده التحليل، وهو الاطلاق في الفعل بالبيان عن جواز تناوله. وأصل التحريم المنع من قولهم: حرم فلان الرزق، فهو محروم حرمانا، وحرم الرجل اذا لج في الشىء بالامتناع منه، وحرمه تحريماً، وأحرم بالحج إِحراماً وتحرَّم بطعامه تحرما، واستحرمت الشاة اذا طلبت الفحل، لانها تتبعه كما تتبع الحرمة البعل، والحرم مكة وما حولها مما هو معروف، وأشهر الحُرم ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب، والمحرَم القرابة التي لا يحل تزوجها، وحريم الدار ما كان من حقوقها، والمحرم السوط الذي لا يلين لأنه حرام أن يضرب به حتى يلين.

والفواحش جمع فاحشة، وهي أقبح القبائح. وهي الكبائر.

وقوله { ما ظهر منها وما بطن } يعني ما علن وما خفي.

وقد قدمنا اختلاف المفسرين في ذلك، وانما ذكر مع الفواحش هذه القبائح، وهي داخلة فيها لأحد أمرين:

أحدهما - للبيان عن التفصيل، كأنه قيل الفواحش التي منها الاثم، ومنها البغي، ومنها الاشراك بالله.

والثاني - ان الفواحش - ها هنا - الزنا وهو الذي بطن، والتعري في الطواف، وهو الذي ظهر - في قول مجاهد - وقال قوم: الاثم هو الخمر، وما ظهر الزنا، وما بطن هو نكاح امرأة الأب، والاثم يعم جميع المعاصى، وأنشد ابن الانباري في أن الاثم هو الخمر:
شربت الاثم حتى ضل عقلي   كذاك الاثم يصنع بالعقول
وقال الفراء: الاثم ما دون الحد، والبغي هو الاستطاعة على الناس، وحده طلب الترأس بالقهر من غير حق. وأصل البغي الطلب، تقول: هذه بغيتي أي طلبتي، وأبتغي كذا ابتغاء. وما تبغي؟ أي ما تطلب، وينبغي كذا أي هو الأولى أن يطلب.

وقوله { ما لم ينزل به سلطاناً } السلطان الحجة - في قول الحسن وغيره - ومثله البرهان والبيان والفرقان، وحدودها تختلف، فالبيان إِظهار المعنى للنفس كاظهار نقيضه، والبرهان إِظهار صحة المعنى وفساد نقيضه، والفرقان إِظهار تميز المعنى مما التبس به. والسلطان إِظهار ما يتسلط به على نقيض المعنى بالابطال.

و { أن تقولوا على الله ما لا تعلمون } أي وحرم عليكم ذلك، وذلك يدل على بطلان التقليد، لأن المقلد لا يعلم صحة ما قلد فيه.