الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ٱتَّبِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكُمْ مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَآءَ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ }

قرأ حمزة، والكسائي وحفص { تذكرون } بتخفيف الذال بتاء واحدة. الباقون بالتشديد الا ابن عامر، فانه قرأ يتذكرون بياء وتاء، قال الزجاج: التخفيف على حذف التاء الثانية كراهة اجتماع ثلاثة أحرف متقاربة، كما قالوا استطاع يستطيع، فحذفوا أحدى الثلاثة المتقاربة دون الاول، لان الاول بمعنى الاستقبال، لا يجوز حذفها، والثانية يدل عليها تشديد العين.

ومن قرأ بتشديد الذال، فأصله تتذكرون فأدغم التاء في الذال لقرب مخرجهما، لان التاء مهموسة والذال مجهورة. والمجهورة أزيد صوتا وأقوى من المهموس فحسن ادغام الانقص في الازيد. ولا يسوغ ادغام الا زيد في الانقص، ألا ترى ان الصاد وأختيها لم يدغمن في مقاربهنَّ لما فيهنَّ من زيادة الصفير.

وقراءة ابن عامر بالياء والتاء: انه مخاطبة للنبي (صلى الله عليه وسلم) أي قليلا ما يتذكرون هؤلاء الذين ذكروا بهذا الخطاب.

قوله { اتبعوا } خطاب من الله للمكلفين وأمر منه بأن يتبعوا ما أنزل عليهم من القرآن. ويحتمل ان يكون المراد قل لهم يا محمد: اتبعوا ما أنزل اليكم، لانه قال قبل ذلك { لتنذر به } وكان الخطاب متوجهاً اليه. والاتباع تصرف الثاني بتصريف الاول وتدبيره، فالاول امام والثاني مؤتم. والفرق بين الإِتبَّاع والاتباع ان احدهما يتعدى الى مفعول، والثاني يتعدى الى مفعولين، تقول: اتبعت زيدا وأتبعت زيدا عمرا. ووجوب الإِتِّباع فيما أنزل الله يدخل فيه الواجب والندب والمباح، لانه يجب ان يعتقد في كل جنس ما أمر الله به، كما يجب ان يعتقد في الحرام وجوب اجتنابه.

وقوله { ولا تتبعوا من دونه أولياء } نهي من الله ان يتبعوا من دون الله ويتخذوا أولياء. وأولياء جمع وليَّ وهو ضد العدو، وهو يفيد الاولى ويفيد الناصر وغير ذلك مما بيناه فيما مضى.

وقوله { قليلا ما تذكرون } معناه الاستبطاء في التذكر، وخرج مخرج الخبر وفيه معنى الامر، ومعناه تذكروا كثيرا مما يلزمكم من أمر دينكم، وما أوجبه الله عليكم. واخبر انهم قليلا ما يتذكرون و (ما) زائدة، وتذكر معناه أخذ في التذكر شيئا بعد شيء مثل تفقه وتعلم، ويقال: تقيَّس اذا انتمى الى قيس، ولم يكن منهم، لانه يدخل نفسه فيهم شيئا بعد شيء.