الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قَالَ ٱهْبِطُواْ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي ٱلأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ }

اختلفوا في المعنى بهذه الآية، فقال السدي وأبو علي الجبائي وأبو بكر ابن الاخشيد: ان المراد بالخطاب آدم وحواء وابليس، جمع بينهم في الذكر، وان كان الخطاب لهم وقع في أوقات متفرقة، لان ابليس امر بالهبوط حين أمتنع من السجود، وآدم وحواء حين أكلا من الشجرة، وانتزع لباسهما. وقال ابو صالح: الخطاب متوجه الى آدم وحواء والحية. وقال الحسن - قولا بعيدا من الصواب - وهو ان المراد به آدم وحواء والوسوسة، وهذا قول منعزب عنه، لان الوسوسة لا تخاطب.

والهبوط هو النزول بسرعة، والبعض هو أحد قسمي العدة، وأحد قسمي العشرة بعضها، واحد قسمي الاثنين بعضهما ولا بعض للواحد، لانه لا ينقسم. وقوله { بعضكم لبعض } أضاف (البعض) الى جملة هو منها، ولا يجوز ان يضاف (غير) الى جملة هو منها، لان اضافة (غير) الى الجملة والتفصيل لصحة ان يكون لكل واحد غير، وليس كذلك بعض، لانه لا يصح ان يكون لكل واحد بعض فأضافته الى الجملة فقط.

والعدوُّ ضد الوليِّ، ومن صفة العدو انه مراصد بالمكاره. ومن صفة الوليِّ انه مراصد بالمحاب. وقال الرماني: العدو هو النائي بنصرته في وقت الحاجة الى معونته، والولي هو الداني بنصرته في وقت الحاجة الى معونته.

وقوله { ولكم في الأرض مستقر } فالمستقر قيل في معناه قولان:

أحدهما - قال ابو العالية: هو موضع استقرار.

الثاني - انه الاستقرار بعينه، لان المصدر يجيء على وزن المفعول نحو و { ندخلكم مدخلا كريما } أي ادخالا كريما قال الشاعر:
أقاتل حتى لا أرى لي مقاتلا   وانجو اذا غم الجبان من الكرب
وقوله { ومتاع إلى حين } فالمتاع الانتفاع بما فيه عاجل استلذاذ، لان المناظر الحسنة يستمتع بها لما فيها من عاجل اللذة. والحين الوقت، قصيرا كان او طويلا، الا انه قد استعمل على طول الوقت - ها هنا - وليس بأصل فيه كقول القائل: ما لقيته منذ حين قال الشاعر:
وما مزاحك بعد الحلم والدين   وقد علاك مشيب حين لا حين
أي وقت لا وقت، وقال البلخي { إلى حين } معناه الى القيامة.