الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لاَ يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَآ إِلاَّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ لاَ تَأْتِيكُمْ إِلاَّ بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ ٱللَّهِ وَلَـٰكِنَّ أَكْثَرَ ٱلنَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }

{ أيان } معناه متى، وهي سؤال عن الزمان على وجه الظرف.

أخبر الله تعالى ان الكفار يسألون النبي صلى الله عليه وآله عن الساعة، وهي القيامة { أيان مرساها } أي وقت قيامها وثباتها. ومعنى { أيان } متى قال الراجز:
ايان تقضي حاجتي أيانا   أما ترى لنججها إبانا
و { مرساها } في موضع رفع بالابتداء، يقال: رسى يرسوا إذا ثبت فهو راس وجبال راسيات ثابتات، وارساها الله اي ثبتها. وقيل معنى { مرساها } الوقت الذي يموت فيه جميع الخلق، ومعنى سؤالهم عنها اي متى وقوعها وكونها. فأمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله ان يجيبهم ويقول لهم { علمها عند الله } لم يطلع عليها احداً كما قالإن الله عنده علم الساعة } وقوله تعالى { لا يجليها لوقتها إلا هو } اي لا يظهرها في وقتها إلا الله.

وقوله تعالى { ثقلت في السماوات والأرض } قيل في معناه قولان:

احدهما - ثقل علمها على السماوات والأرض ذهب اليه السدي وغيره.

الثاني - ثقل وقوعها على اهل السموات والأرض - ذكره ابن جريج وغيره -.

ثم اخبر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وآله بكيفية وقوعها فقال { لا تأتيكم إلا بغتة } يعني فجأة.

وقوله { يسألونك كأنك حفي عنها } قيل في معناه ثلاثة اقوال:

احدها - ان معناه وتقديره حفي عنها يسألونك عن الساعة ووقتها كأنك عالم بها وقيل: معناه كأنك فرح بسؤالهم عنها. وقيل: معناه كأنك اكثرت السؤال عنها ذكره مجاهد. يقال حفيف بفلان في المسألة إذا سألته سؤالا أظهرت فيه المحبة والبر، قال الشاعر:
سؤال حفي عن أخيه كأنه   بذكرته وسنان او متواسن
ويقال: احفى فلان بفلان في المسألة إذا اكثر عليه. ويقال: حفيت الدابة تحفى حفاً مقصوراً إذا اكثر عليها الم المشي، والحفاء - ممدوداً - المشي بغير نعل. ثم امر الله نبيه ان يقول { إنما علمها عند الله } اي لا يعلمها إلا الله.

وقوله تعالى { ولكن أكثر الناس لا يعلمون } معناه اكثر الناس لا يعلمون ان ذلك لا يعلمه إلا الله، ويظنون انه قد يعلمه الأنبياء وغيرهم من خلقه. وقال الجبائي معناه { لكن أكثر الناس لا يعلمون } لم اخفى الله تعالى علم ذلك على التعيين على الخلق. والوجه فيه انه ازجر لهم عن معاصيه لانهم إذا جوزوا في كل وقت قيام الساعة وزوال التكليف كان ذلك صارفاً لهم عن فعل القبيح خوفاً من فوات وقت التوبة. وقوله في اول الآية { قل إنما علمها عند ربي } يعني علم وقت قيامها. وقوله في آخرها { قل إنما علمها عند الله } معناه علم كيفيتها وشرح هيئتها وتفصيل ما فيها لا يعلمه إلا الله، فلا تكون تكراراً لغير فائدة.

السابقالتالي
2