الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَٰتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ } * { وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ }

المعنى إن الذين كذبوا بآيات الله التي تضمنها القرآن والمعجزات الدالة على صدق النبي صلى الله عليه وآله وكفروا بها سنستدرجهم من حيث لا يعلمون استدراجاً لهم إلى الهلكة حتى يقعوا فيها بغتة من حيث لا يعلمون، كما قال تعالىبل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها } وقال:فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون } فيقولوا هل نحن منظرون؟ ويجوز ان يكون من عذاب الآخرة.

فأما من قال من المجبرة: إن معنى الآية أن الله يستدرجهم إلى الكفر والضلال فباطل، لأن الله تعالى لا يفعل ذلك لانه قبيح ينافي الحكمة، ثم إن الآية بخلاف ذلك لأنه بين أن هؤلاء الذين يستدرجهم كفار بالله ورسوله وبآياته، وانه سيستدرجهم في المستقبل لأن السين لا تدخل إلا على المستقبل فلا معنى لقوله { إن الذين كفروا سنستدرجهم } إلى الكفر، لأنهم كفار قبل ذلك، ولا يجب في الكافر أن يبقى حتى يواقع كفراً آخر، لأنه يجوز أن يميته الله تعالى، فبان بذلك أن المراد أنه سيستدرجهم إلى العذاب والعقوبات من حيث لا يعلمون في مستقبل أمرهم بقوا أو لم يبقوا. على ان الاستدراج عقوبة من الله والله لا يعاقب أحداً على فعل نفسه كما لا يعاقبهم على طولهم او قصرهم.

ويحتمل ان يكون معنى الآية إنا نعاقبهم على استدراجهم للناس وإغوائهم إياهم ونعاقبهم على كيدهم، فجعل العقوبة على الاستدراج استدراجاً، والعقوبة على الكيد كيداً، كما قالسخر الله منهم } وقالالله يستهزئ بهم } وقاليخادعون الله وهو خادعهم } وقالوالله خير الماكرين } وما اشبه ذلك.

ويحتمل ان يكون المراد: إني سأفعل بهم ما يدرجون في الفسوق والضلال عنده ويكون ذلك إخبار عن بقائهم على الكفر عند إملائه لهم، فسمى ذلك استدراجاً لأنهم عند البقاء كفروا وازدادوا كفراً ومعصية. وان كان الله لم يرد منهم ذلك ولا بعثهم عليه، كما قالأولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر } كما يقول القائل: أبطر فلان فلاناً بانعامه عليه. ولقد ابطرته النعمة واكفرته السلامة، وإن كان المنعم لا يريد ذلك بل اراد ان يشكره عليها.

ومعنى قوله { وأملي لهم } أؤخر هؤلاء الكفار في الدنيا وابقيهم مع إصرارهم على الكفر ولا أعاجلهم بالعقوبة على كفرهم، لانهم لا يفوتوني ولا يعجزوني، ولا يجدون مهرباً ولا ملجأ.

وقوله تعالى { إن كيدي متين } معناه إن عذابي وسماه كيداً لنزوله بهم من حيث لا يشعرون. وقيل: إنه اراد أن جزاء كيدهم وسماه كيداً للازدواج على ما بينا نظائره. ومعنى { متين } شديد قوي قال الشاعر:
عدلن عدول اليأس والشيخ يبتلى   افانين من الهوب شد مماتني
يعني شد او شديداً باقياً لا ينقطع. والمتن أصله اللحم الغليظ الذي عن جانب الصلب وهما متنان. والكيد والمكر واحد، وهو الميل إلى الشرّ في خفى، كاد يكيد كيداً ومكيدة، وفلان يكيد بنفسه.

السابقالتالي
2