الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِيۤ ءَادَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَىٰ شَهِدْنَآ أَن تَقُولُواْ يَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَـٰذَا غَافِلِينَ } * { أَوْ تَقُولُوۤاْ إِنَّمَآ أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ ٱلْمُبْطِلُونَ }

قرأ ابن كثير وأهل الكوفة { ذريتهم } على التوحيد. الباقون ذرياتهم على الجمع. وقرأ ابو عمرو " وأن يقولوا، أو يقولوا " بالياء فيهما. الباقون بالتاء.

و (الذرية) قد يكون جمعاً نحو قوله تعالى { وكنا ذرية من بعدهم } وقوله تعالىذرية من حملنا مع نوح } وقد يكون واحداً كقوله:هب لي من لدنك ذرية طيبة.. فنادته الملائكة.. أن الله يبشرك بيحيى } فهو مثل قوله:فهب لي من لدنك ولياً يرثني } فقال الله:يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى } فمن أفرد جعله اسماً واستغنى عن جمعه بوقوعه على الجمع.

ومن جمع قال: لانه إن كان واقعاً على الواحد فلا شك في جواز جمعه وإن كان جمعاً فجمعه أيضاً حسن، لأنه قد وردت الجموع المكسرة وقد جمعت نحو الطرقات وصواحبات يوسف.

وحجة من أفرد قال: لا يقع على الواحد والجميع. فأما وزن { ذرية } فانه يجوز أن تكون (فعلولة) من الذر، فابدلت من الراء التي هي لام الفعل الأخيرة ياء كما أبدلت من دهرية، يدلك على البدل فيه قولهم: دهرورة، ويحتمل ان تكون فعلية منه فأبدلت من الراء الياء، كما تبدل من هذه الحروف في التضعيف وإن وقع فيها الفصل. ويحتمل أن تكون (فعليه) نسبة إلى الذر وأبدلت الفتحة منها ضمة كما أبدلوا في الاضافة إلى الدهر دهري والى سهل سهلي ويجوز أن تكون (فعلية) من ذرأ الله الخلق، أجمعوا على تخفيفها كما أجمعوا على تخفيف البرّية. ويجوز ان تكون من قولهتذروه الرياح } ابدلت من الواو الياء لوقوع ياء قبلها.

وحجة أبي عمرو في قراءته بالياء ان ما تقدم ذكره من الغيبة وهو قوله عز وجل { وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم } كراهية أن يقولوا أو لئلا يقول، ويؤكد ذلك ما جاء بعد من الاخبار عن الغيبة وهو قوله: { قالوا بلى }.

وحجة من قرأ بالتاء انه قد جرى في الكلام خطاب وهو قوله { ألست بربكم قالوا بلى شهدنا } وكلا الوجهين حسن لأن الغيب هم المخاطبون في المعنى.

وهذا خطاب للنبي صلى الله عليه وآله قال الله تعالى له: واذكر أيضاً الوقت الذي اخذ الله فيه من بني آدم من ظهورهم ذريتهم واشهدهم على انفسهم الست بربكم؟.

واختلفوا في معنى هذا الأخذ فيه وهذا الاشهاد:

فقال البلخي والرماني اراد بذلك البالغين من بني آدم واخراجه اياهم ذرية قرناً بعد قرن وعصراً بعد عصر واشهاده إياهم على انفسهم تبليغه إياهم وإكماله عقولهم، وما نصب فيها من الأدلة الدالة بأنهم مصنوعون وان المصنوع لا بد له من صانع، وبما اشهدهم مما يحدث فيهم من الزيادة والنقصان والآلام والأمراض الدال بجميع ذلك على ان لهم خالقاً رازقاً تجب معرفته والقيام بشكره، وما اخطر بقلوبهم من تأكيد ذلك والحث على الفكر فيه، ثم إرساله الرسل وإنزاله الكتب، لئلا يقولوا إذا صاروا إلى العذاب: إنا كنا عن هذا غافلين، لم ينبه علينا ولم تقم لنا حجة عليه ولم تكمل عقولنا فنفكر فيه، او يقول قوم منهم: إنما أشرك آباؤنا حين بلغوا وعقلوا فأما نحن فكنا أطفالا لا نعقل ولا نصلح للفكر والنظر والتدبير.

السابقالتالي
2 3