الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُواْ ٱلْكِتَٰبَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَـٰذَا ٱلأَدْنَىٰ وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِّثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِّيثَٰقُ ٱلْكِتَٰبِ أَن لاَّ يِقُولُواْ عَلَى ٱللَّهِ إِلاَّ ٱلْحَقَّ وَدَرَسُواْ مَا فِيهِ وَٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }

معنى الآية ان الله اخبر انه خلف - بعد القوم الذين كانوا فرقهم في الارض - خلف، وهم قوم نشؤوا بعدهم من اولادهم ونسلهم، يقال للقرن الذي يجيء في اثر قرن خلف، والخلف ما اخلف عليك بدلا مما اخذ منك. ويقال في هذا خلف ايضاً. فأما ما اخلف عليك بدلا مما ذهب منك، فهو - بفتح اللام - افصح. قال الفراء: يقال: اعطاك خلفاً مما ذهب لك، فأنت خلف صدق وخلف سوء، قال الله تعالىفخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة } واكثر ما يجيء في المدح - بفتح اللام - وفي الذم بتسكينها - وقد تحرك في الذم وتسكن في المدح، فمن ذلك في تسكين اللام في المدح قول حسان بن ثابت:
لنا القدم الاولى اليك وخلفنا   لأولنا في طاعة الله تابع
ويقال: خلف اللبن إذا حمض من طول تركه من السقاء حتى يفسد، فالرجل الفاسق مشبه به، ومنه خلوف فم الصائم وهو تغيره. وأما بتسكين اللام في الذم فقول لبيد:
ذهب الذين يعاش في أكنافهم   وبقيت في خلف كجلد الاجرب
وقيل ان الخلف الذين ذكرهم الله في هذه الآية أنهم خلفوا من قبلهم هم النصارى - ذهب اليه مجاهد - وهذا الذي قاله جائز، وجائز أيضاً أن يكون المراد به قوم خلفوهم من اليهود.

وقوله تعالى { ورثوا الكتاب يأخذون عرض هذا الأدنى } قال قوم: كانوا يرتشون على الأحكام، ويحكمون بجور. وقال آخرون: كانوا يرتشون ويحكون بحق، وكل ذلك عرض خسيس، ومعنى { هذا الأدنى } هذا العاجل, و { يقولون سيغفر لنا } معناه إذا فعلوا ذلك يقولون الله يغفر لنا ذلك تمنياً منهم للاباطيل كما قال تعالىفويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون } وقوله تعالى { وإن يأتهم عرض مثله يأخذوه } دليل على اصرارهم وأنهم تمنوا أن يغفر لهم مع الاصرار، لان المعنى وان جاءهم حرام من الرشوة بعد ذلك أخذوه واستحلوه، ولم يرتدعوا عنه - وهو قول سعيد بن جبير وقتادة والسدي وابن عباس وقال الحسن: معناه لا يشبعهم شيء.

وقوله { ألم يؤخذ عليهم ميثاق الكتاب أن لا يقولوا على الله إلا الحق ودرسوا ما فيه } معناه الم يؤخذ على هؤلاء المرتشين في الاحكام القائلين سيغفر لنا هذا اذا عوتبوا على ذلك و { ميثاق الكتاب } هو ما أخذ الله على بني اسرائيل من العهود باقامة التوارة والعمل بما فيها، فقال تعالى لهؤلاء الذين قصهم توبيخاً لهم على خلافهم امره ونقضهم عهده وميثاقه: ألم يأخذ الله عليهم الميثاق في كتابه ان لا يقولوا على الله الا الحق، ولا يضيفوا اليه الا ما انزله على رسوله موسى في التوراة ولا يكذبوا عليه وانما احتج عليهم بميثاق الكتاب، ولم يحتج عليهم بالعقل، ليعلمنا ما لا نعلمه مما هو في كتبهم من ادلة تؤكد ما في العقل.

السابقالتالي
2