الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلَماَّ عَتَوْاْ عَن مَّا نُهُواْ عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُواْ قِرَدَةً خَاسِئِينَ }

اخبر الله تعالى عن هؤلاء العصاة الذين عصوا بصيد السمك في السبت، ونهوا فلم ينتهوا ووعظوا فلم يتعظوا، وأنه أنزل عليهم العذاب الشديد، فلما عتوا عما نهى الله وتمردوا في معصيته مسخهم الله قردة خاسئين.

والعاتي الشديد الدخول في الفساد المتمرد الذي لا يقبل موعظة. والعتو الخروج إلى الجرأة على أفحش الذنوب. وقوله " خاسئين " معناه مبعدين من قولهم خسأت الكلب إذا أقصيته فخسأ أي بعد. وقال الحسن معناه صاغرين، وقال: إن أهل المسخ يتناسلون. وقال ابن عباس: لا يتناسلون، وأجاز الزجاج كلا الامرين. وسئل ابو مالك: أكانت القردة والخنازير قبل ان يمسخوا؟ قال: نعم وكانوا فيما خلق الله من الأمم. وقول ابن عباس أصح، لان المعلوم أن القردة ليست من ولد آدم كما أن الكلاب ليست من ولد آدم. قال قتادة: صاروا قردة لها أذناب تعاوي بعد ما كانوا نساء ورجالا.

وقوله تعالى: { كونوا قردة } صيغته صيغة الامر والمراد به الاخبار: من أنه جعلهم قردة على وجه يسهل عليه ولم يتعب به ولم ينصب كما قال تعالى:إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون } وقالائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين } ولم يكن هناك أمر لانه تعالى لا يأمر المعدوم، وإنما هو إخبار عن تسهيل الفعل، وأجاز الزجاج أن يكون قيل لهم ذلك بكلام سمعوه فيكون ذلك أبلغ في الآية النازلة بهم لما يدل على وقوع الأول الذي تبعه الثاني. وليس كذلك إذا قلت: لما جاء المطر خرج النباب، وقوله تعالى { ولو ردوا لعادوا } فلا يقع الرد أصلا.