الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَقَطَّعْنَاهُمُ ٱثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰ إِذِ ٱسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ فَٱنبَجَسَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ ٱلْمَنَّ وَٱلسَّلْوَىٰ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَـٰكِن كَانُوۤاْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ }

قد مضى تأويل معنى اكثر هذه الآية في سورة البقرة فلا معنى للتطويل بذكر ما مضى وانما نذكر ما لم يذكر هناك: انما انث قوله اثنتي عشرة اسباطاً لان النية التقديم والتأخير والتقدير وقطعناهم امماً اثنتي عشرة اسباطاً ولم يقل سبطاً لاحد ثلاثة اشياء:

احدها - انه بدل ليس بتمييز والمعنى قطعناهم اسباطاً ذكر ذلك الزجاج.

الثاني - على ان كل قسم اسباط لان الواحد يقال له سبط، فيجوز على هذا عندي عشرون دراهم على ان كل قسم منها دراهم قال كثير:
علي والثلاثة من بنيه   هم الاسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط ايمان وبر   وسبط غيبته كربلا
الثالث - ان يكون اقام الصفة مقام الموصوف. وتقديره اثنتي عشرة فرقة اسباطاً.

والسبط: الجماعة التي تجري في الامر بسهولة لاتفاقهم في الكلمة على انه مأخوذ من السبوط. وقيل انه مأخوذ من السبط ضرب من الشجر، فجعل الاب الذي يجمعهم كالشجرة التي تتفرع عنها الأغصان الكثيرة. وقال ابو علي لانهم كانوا بني اثني عشر رجلا من ولد يعقوب وقيل انما فرقوا اسباطاً لاختلاف رتبتهم.

والانبجاس: خروج الماء الجاري بقلة، والانفجار خروجه بكثرة، فكان يبتدئ بقلة ثم يتسع حتى يصير إلى الكثرة، فلذلك ذكره ها هنا بالانبجاس وفي البقرة بالانفجار.

والظلة السترة التي تقي من الشمس، والأغلب عليها العلو.

فجعل الله عز وجل لهم من الغمام ظلة تكنهم لما احتاجوا إلى ذلك في التيه كما اعطاهم المن والسلوى. والمن ضرب من الحلاوة يسقط على الشجر. والسلوى طائر كالسماني. وانما انث { اثنتا عشرة أسباطاً } مع ان السبط ذكر، لاحد ثلاثة اشياء:

احدها - اثنتي عشرة فرقة ثم حذف.

الثاني - وقطعناهم قطعاً اثنتي عشرة، فحذف على هذا التقدير.

الثالث - أن السبط لما وقع على الامة أنث. كما قال الشاعر:
وان كلاباً هذه عشر أبطن   وانت بريء من قبائلها العشر
وقوله تعالى { وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون } معناه: ما أنقصونا شيئاً ولكن انقصوا أنفسهم تقول العرب: ظلمت سقاك إذا سقيته قبل أن يخرج زبده، ويقال: ظلم الوادي إذا بلغ الماء منه موضعاً لم يكن ناله فيما مضى، قال الفراء وانشدني بعضهم:
يكاد يطلع ظلماً ثم يمنعه   عن الشواهق فالوادي به شرق
ويقال هو أظلم من حية. لانها تأتي حجراً لم تحفره فتسكنه ويقال ما ظلمك ان تفعل كذا أي ما منعك. والارض المظلومة التي لم ينلها المطر.