الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَمَّا سُقِطَ فِيۤ أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْاْ أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّواْ قَالُواْ لَئِن لَّمْ يَرْحَمْنَا رَبُّنَا وَيَغْفِرْ لَنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلْخَاسِرِينَ }

قرأ أهل الكوفة إِلا عاصماً { لئن لم ترحمنا } بالتاء { ربنا } بالنصب على النداء. الباقون بالياء { ربنا } بالرفع على الخبر.

ومعنى قوله { سقط في أيديهم } وقع البلاء في أيديهم أي وجدوه وجدان من يده فيه، يقال: ذلك للنادم عندما يجده مما كان خفي عليه، ويقال أيضاً: سقط في يديه أي صار الذي كان يضربه في يديه.

ومعنى قوله { ورأوا } علموا { أنهم قد ضلوا } وتبينوا بطلان ما كانوا عليه من عبادة العجل والكفر والضلال، لأن ما تعلق به الرؤية، لا يجوز أن يكون مدركاً بالبصر، وهو معنى الجملة، وإِنما يصح أن يعلم وإِن يدخل على الجملة، وهي في تقدير المفرد، ومتى ظهر فساد الاعتقاد، فلا بد أن يندم صاحبه عليه، لانه لا معنى للاقامة عليه مع توافر الدواعي الى خلافه، كما أنه لا معنى أن يكذب على نفسه مع علمه بكذبه، غير أنه مع ظهور الضلالة لهم لم يكونوا ملجئين الى الندم، لأن الالجاء يقع إِما بالعلم بالمنع أو تخوف من المضرة العاجلة أو النفع العظيم العاجل الذي مثله يلجيء، ولم يكن القوم على واحد من الأمرين، لأنهم كانوا مكلفين للندم.

وفي الآية دلالة على بطلان قول من يقول لا محجوج الا عارف، لأن الله وصفهم بأنهم سقط في أيديهم عندما رأوا من ضلالهم، فدل على أنهم كانوا محجوجين في ترك الضلال الذي إِن لم يغفر لهم هلكوا.

وقوله { لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا } أخبار عمَّا قال القوم حين تبينوا ضلالهم وسقط في أيديهم والتجائهم الى الله واعترافهم بأنه ان لم يغفر لهم ربهم ويتغمدهم بمغفرته يكونوا من جملة الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بما يستحقونه من العقاب الدائم.

وقال الحسن: كلهم عبدوا العجل إِلا هارون بدلالة قول موسىرب اغفر لي ولأخي } ولو كان هناك مؤمن غيرهما لدعا له، وقال الجبائي: إِنما عبد بعضهم بدلالة ما ورد من الاخبار عن النبي (صلى الله عليه وسلم) فيما روي عنه في هذا المعنى.