الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَوَاعَدْنَا مُوسَىٰ ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَىٰ لأَخِيهِ هَارُونَ ٱخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ ٱلْمُفْسِدِينَ }

قيل في فائدة قوله { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر } ولم يقل أربعين ليلة أقوال:

أحدها - أنه أراد شهراً وعشرة أيام متوالية. وقيل: إِنه ذو العقدة وعشر من ذي الحجة. ولو قال أربعين ليلة لم يعلم أنه كان الابتداء أول الشهر، ولا أن الأيام كانت متوالية، ولا أن الشهر شهر بعينه، هذا قول الفراء، وهو معنى قول مجاهد وابن جريج ومسروق وابن عباس، وأكثر المفسرين.

الثاني - أن المعنى وعدناه ثلاثين ليلة يصوم فيها ويتفرد للعبادة بها. ثم أتمت بعشر الى وقت المناجاة. وقيل في العشر نزلت التوراة فلذلك أفردت بالذكر.

الثالث - قال أبو جعفر (ع) كان أول ما قال لهم: إِني أتأخر عنكم ثلاثين يوماً، ليسهل عليهم، ثم زاد عليهم عشرا، وليس في ذلك كذب، لأنه إِذا تأخر عنهم أربعين ليلة، فقد تأخر ثلاثين قبلها. وقال الحسن كان الموعد أربعين ليلة في أصل الوعد، فقال في البقرةواعدنا موسى أربعين ليلة } وفصله - ها هنا - على وجه التأكيد فقال ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر.

وقوله تعالى { فتم ميقات ربه أربعين ليلة } ومعناه فتم الميقات أربعين ليلة، وإِنما قال ذلك مع أن ما تقدم دل على هذا العدد، لأنه لو لم يورد الجملة بعد التفصيل وهو الذي يسميه الكتاب الفذلكة، لظن قوله { وأتممناها بعشر } أي كملنا الثلاثين بعشر حتى كملت ثلاثين، كما يقال: تممت العشرة بدرهمين وسلمتها اليه.

وقيل في معنى قوله تعالى { وواعدنا موسى ثلاثين ليلة } ينفرد فيها للعبادة في المكان الذي وقت له ثم أتم الأربعين.

والفرق بين الميقات والوقت أن الميقات ما قدر ليعمل فيه عمل من الاعمال والوقت وقت الشيء قدره مقدر أولم يقدره، ولذلك قيل: مواقيت الحج وهي المواضع التي قدرت للاحرام بها.

وقوله تعالى { وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين } الذين يفسدون في الأرض، وانما أمره بذلك مع أنه نبي مرسل، لأن الرياسة كانت لموسى (ع) على هارون وجميع أمته، ولم يكن يجوز أن يقول هارون لموسى مثل ذلك. وقال أبو علي: السبعون الذين اختارهم موسى للميقات كانوا معه في هذا الخروج، وسمعوا كلام الله لموسى (ع) وكانوا شهدوا له بذلك.

وقوله { هارون } في موضع جرٍّ، لأنه بدل من قوله (لأخيه) وإِنما فتح لأنه لا ينصرف، ولو رفع على النداء كان جائزاً ولم يقرأ به أحد.