الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ الۤمۤصۤ } * { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ }

قد بينا في أول سورة البقرة اختلاف المفسرين في أوائل السور بالحروف المقطعة، وقلنا: ان الاقوى من ذلك قول من قال: انها أسماء للسور، وهو قول الحسن والبلخي والجبائي، واكثر المحصلين. وروي عن ابن عباس أنه قال: هي اختصار من كلام لا يفهمه الا النبي (صلى الله عليه وسلم) قال الشاعر:
فادوهم أن الجموا ألا تا   قالوا جميعا كلهم ألافا
يريد ألا تركبون قالوا فاركبوا. وبني قوله { المص } على السكون في الوصل مع ان قبله ساكنا، لان حروف الهجاء توصل على نية الوقف، لانه يجزي على تفصيل الحروف، للفرق بينها وبين ما وصل للمعاني، وكأن مجموع الحروف يدل على معنى واحد، ومتى سميت رجلا بـ (المص)، وجبت الحكاية. فان سميته بـ (صاد) أو (قاف) لم يجب ذلك، لان صاد، وقاف، لهما نظير في الاسماء المفردة، مثل، باب، وناب، ونار. وليس كذلك (المص) لانه بمنزلة الجملة، وليس له نظير في المفرد. وانما عد الكوفيون { المص } آية، ولم يعدوا (ص) لان { المص } بمنزلة الجملة مع ان آخره على ثلاثة أحرف بمنزلة المردف، فلما اجتمع هذان السببان، وكل واحد منهما يقتضي عدَّه عدوه. ولم يعدوا (المر) لان آخره لا يشبه المردف. ولم يعدوا (ص) لانه بمنزلة اسم مفرد، وكذلك (ق) و (ن).

وانما سميت السورة بالحروف المعجمة، ولم تسم بالاسماء المنقولة لتضمنها معاني أخرى مضافة الى التسمية، وهو أنها فاتحة لما هو منها، وأنها فاصلة بينها وبين ما قبلها، ولانه يأتي من التأليف بعدها ما هو معجز مع انه تأليف كتأليفها، فهذه المعاني من أسرارها.

وقيل في موضع (المص) من الاعراب قولان:

اولهما - انه رفع بالابتداء وخبره كتاب، او ان يكون على هذه (المص) في قول الفراء.

الثاني - لا موضع له، لانه في موضع جملة على قول ابن عباس، كأنه قال: أنا الله أعلم وافصل - اختاره الزجاج.

وقوله { كتاب أنزل إليك } قيل في العامل في قوله { كتاب } ثلاثة أقوال:

أحدها - هذا كتاب، فحذف لانها حال اشارة وتنبيه.

الثاني - { المص كتاب } على أنه اسم للسورة وكتاب خبره.

وقال الفراء: رفعه بحروف الهجاء، لانها قبله، كأنك قلت الالف واللام والميم والصاد، من الحروف المقطعة كتاب أنزل اليك مجموعا، فنابت (المص) عن جميع حروف المعجم، كما تقول: أ، ب، ت، ث ثمانية وعشرون حرفا. وكذلك تقول قرأت الحمد، فصار اسما لفاتحة الكتاب.

وقوله { فلا يكن في صدرك حرج } يحتمل دخول الفاء وجهين:

احدهما - أن يكون عطفا وتقديره اذا كان أنزل اليك لتنذر به، فلا يكن في صدرك حرج منه، فيكون محمولا على معنى اذا.

السابقالتالي
2