الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ } * { وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } * { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } * { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ } * { وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ } * { تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ ٱلْعَالَمِينَ } * { وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ ٱلأَقَاوِيلِ } * { لأَخَذْنَا مِنْهُ بِٱلْيَمِينِ } * { ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ ٱلْوَتِينَ } * { فَمَا مِنكُمْ مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ } * { وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } * { وَإِنَّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنكُمْ مُّكَذِّبِينَ } * { وَإِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى ٱلْكَافِرِينَ } * { وَإِنَّهُ لَحَقُّ ٱلْيَقِينِ } * { فَسَبِّحْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلْعَظِيمِ }

قرأ { قليلاً ما يؤمنون، ويذكرون } بالياء فيهما مكي شامي ويعقوب، وسهل على الخبر عن الكفار. الباقون بالتاء على الخطاب لهم أي قل لهم.

وقيل في قوله { فلا أقسم } ثلاثة اقوال:

احدها - قال الفراء: انه ردّ لكلام قائل، فكأنه قال: ليس الأمر على ما يقال أقسم إنه { لقول رسول كريم }.

والثاني - قال قوم (لا) صلة مؤكدة وتقديره فأقسم.

الثالث - قال قوم: إنها نفي للقسم، ومعناه لا يحتاج إلى القسم لوضوح الحق في انه { لقول رسول كريم } وفى هذا الوجه يقع جوابه كجواب غيره من القسم. وقيل: هو كقول القائل: لا والله لأفعل ذاك، ولا والله لأفعلن ذاك. وقال قتادة: أقسم تعالى بالاشياء كلها ما يرى وما لا يرى، وقال الجبائي: إنما أراد إنه لا يقسم بالاشياء المخلوقات ما يرى وما لا يرى، وإنما يقسم بربها، لأن القسم لا يجوز إلا بالله. وقوله { إنه لقول رسول كَريم } جواب القسم، قال الجبائي: هو قول الله على الحقيقة، وإنما الملك وجبرائيل والرسول يحكون ذلك، وإنما أسنده إليهم من حيث أن ما يسمع منهم كلامهم ولما كَان حكاية كلام الله قيل: هو كلام الله على الحقيقة فى العرف، وقرئ { إنه من قول رسول كريم } جواب القسم. وقال الحسن: فالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وآله الذى أتى بهذا القرآن. وقال غيره: هو جبرائيل عليه السلام والاول اظهر، والكريم الخليق بالخير الواسع من قبله، يقال: كرم يكرم كرماً فهو كريم، وضده لؤم يلؤم لؤماً، فهو لئيم.

ولما اقسم تعالى أن هذا القرآن هو قول رسول كريم نفى بعده أن يكون قول شاعر فقال { وما هو بقول شاعر } فالشاعر هو المبتدئ بانشاء الشعر، ولا يكون حاكي الشعر شاعراً، كما يكون حاكي الكلام متكلماً، لانه يحكي شعراً انشأه غيره، وإنما نزه الله تعالى نبيه عن الشعر ومنعه منه، لان الغالب من حال الشاعر أنه يدعو إلى الهوى، والرسول بأني بالحكمة التي يدعو اليها العقل للحاجة إلى العمل عليها والاهتداء بها، مع انه بين أن القرآن صنف من الكلام خارج عن الانواع المعتادة، وذلك أدل على إعجازه لبعده عما جرت به العادة فى تأليف الكلام قال قتادة: طهر الله نبيه من الشعر والكهانة وعصمه منهما.

وقوله تعالى { قليلاً ما تؤمنون } معناه قليلا بما ذكرناه إيمانكم (وما) مصدرية وقال قوم (ما) صلة، وتقديره قليلا تؤمنون بما ذكرناه أي لستم تؤمنون به.

وقوله { ولا بقول كاهن } فالكاهن هو الذي يسجع فى كلامه على ضرب من التكلف لتشاكل المقاطع، وهو ضد ما توجبه الحكمة فى الكلام، لانها تقتضي أن يتبع اللفظ المعنى، لانه إنما يحتاج إلى الكلام للبيان به عن المعنى، وإنما البلاغة فى الفواصل التي يتبع اللفظ فيها المعنى، فتشاكل المقاطع على ثلاثة أضرب: فواصل بلاغة، وسجع كهانة، وقواف تتبع الزنة، والكاهن الذي يزعم ان له خدمة من الجن تأتيه بضرب من الوحي.

السابقالتالي
2 3