الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلْمَآءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي ٱلْجَارِيَةِ } * { لِنَجْعَلَهَا لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَهَآ أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } * { فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفْخَةٌ وَاحِدَةٌ } * { وَحُمِلَتِ ٱلأَرْضُ وَٱلْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً } * { فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ ٱلْوَاقِعَةُ } * { وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ } * { وَٱلْمَلَكُ عَلَىٰ أَرْجَآئِهَآ وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ } * { يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لاَ تَخْفَىٰ مِنكُمْ خَافِيَةٌ }

قرأ { لا يخفى } بالياء أهل الكوفة، لان تأنيث { خافية } ليس بحقيقي. وقد فصل بينها وبين الفعل فاصل. الباقون بالتاء على لفظ التأنيث. والتقدير لا يخفى عليه شيء منكم نفس خافية.

يقول الله تعالى مخبراً عما فعل بقوم نوح وفرعون وقومه على وجه الامتنان على خلقه بما فعل بهم من الهلاك الذي فيه زجر لغيرهم عن الكفر وإرتكاب المعاصي { إنا لما طغى الماء } ومعناه لما تجاوز الماء الحد المعروف فى العظم حتى غرقت الأرض بمن عليها إلا من شاء الله نجاته، وذلك فى زمن نوح عليه السلام وغرق فرعون وقومه بانطباق البحر عليهم، وقال ابن عباس ومجاهد: معنى طغى الماء كثر، وغرّق الله - عز وجل - قوم نوح. وقال قتادة: ارتفع على كل شيء خمس عشرة ذراعاً. وقوله { حملناكم في الجارية } أي حملنا أباكم نوحاً ومن كان معه من ولده المؤمنين فى السفينة، فالجارية السفينة التي من شأنها أن تجري على الماء، ومنه قولهوله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام } والجارية المرأة الشابة تسمى بذلك، لانها يجري فيها ماء الشباب. والحمل امساك الشيء بالوضع على غيره، تقول حملته حملا، والحمل - بفتح الحاء - ما كان في البطن او الشجر - وبكسر الحاء - ما كان على الظهر. ووجه التذكرة بذلك أن نجاة من فيها وتغريق من سواهم يقتضي أنه من مدبر مختار وفي امر لم تجربه عادة، فيلتبس انه من فعل الطبيعة. ثم بين تعالى الغرض بما فعله فقال { لنجعلها } يعني السفينة { لكم تذكرة } تتذكرون بها أنعم الله وتشكرونه عليها وتتفكرون فيها { وتعيها أذن واعية } أي وتحفظها اذن حافظة، يقال: وعيت العلم، وأوعيت المتاع في الوعاء، ويقال: وعي قلبه العلم يعيه وعياً، وقال الشاعر:
إذا لم تكن واعياً حافظاً   فجمعك للكتب لا ينفع
فمعنى { واعية } ممسكة ما يحصل فيها. وقال ابن عباس: حافظة. وقيل قابلة سامعة. وقيل: إنه لما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وآله " اللهم اجعلها اذن علي عليه السلام " ورواه الطبري باسناده عن مكحول. ثم قال علي عليه السلام (فما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله شيئاً فنسيته) وروى الحلواني عن ابن كثير { وتعيها } بسكون العين جعله مثل فخذ وفخذ. الباقون بكسرها، لأنه مضارع وعى يعي. واصله يوعي فحذفت الواو لوقوعها بين فتحة وكسرة، ومعنى الآية تحفظها كل أذن ليكون عظة لمن يأتي بعدهم. روى الطبري باسناده عن عكرمة عن بريدة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام " يا علي إنَّ الله أمرني أن أدنيك ولا أقصيك وأن أعلمك "


السابقالتالي
2