الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَآ أَصْحَابَ ٱلْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُواْ لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ } * { وَلاَ يَسْتَثْنُونَ } * { فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ } * { فَأَصْبَحَتْ كَٱلصَّرِيمِ } * { فَتَنَادَوْاْ مُصْبِحِينَ } * { أَنِ ٱغْدُواْ عَلَىٰ حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ } * { فَٱنطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ } * { أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا ٱلْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ } * { وَغَدَوْاْ عَلَىٰ حَرْدٍ قَادِرِينَ }

يقول الله تعالى { إنا بلوناهم } يعني هؤلاء الكفار أي اختبرناهم { كما بلونا أصحاب الجنة } يعني البستان { إذ أقسموا } أي حين اقسموا فيما بينهم { ليصرمنها مصبحين } ووجه الكلام إنا بلونا أهل مكة بالجدب والقحط، كما بلونا اصحاب الجنة بهلاك الثمار التي كانت فيها حين دعا النبي صلى الله عليه وآله عليهم، فقال " اللهم أشدد وطأتك على مضر واجعلها عليهم سنين كسني يوسف " فالبلوى المحنة بشدة التعبد على ما يقتضيه الحال فى صحة التكليف. والصرم قطع ثمر النخل: صرم النخلة يصرمها صرماً، فهو صارم، ومنه الصريمة القطيعة عن حال المودة. وهم عشرة أولاد كانوا لرجل من بني إسرائيل، وكان يأخذ من بستانه كفاية سنته ويتصدق بالباقي، فقال أولاده: ليس يكفينا، وحلفوا أنهم يصرمون بستانهم ليلا وابى عليهم ابوهم، فأقسموا أنهم ليصرمون ثمر نخل البستان إذا اصبحوا، ولم يستثنوا، ومعناه لم يقولوا إن شاء الله فقول القائل: لأفعلن كذا إلا أن يشاء الله استثناء ومعناه إن شاء الله منعي او تمكين ما نعي، فقال الله تعالى { فطاف عليها } يعني على تلك الجنة { طائف من ربك } أي طرقها طارق من أمر الله، فالطائف الطارق ليلا، فاذا قيل أطاف به صلح فى الليل والنهار، وانشد الفراء:
اطفت به نهاراً غير ليلى   والهي ربها طلب الرخال
الرخال أولاد الضان واحدها رخل وفى الانثى رخلة { وهم نائمون } أي فى حال نومهم { فأصبحت } يعني الجنة { كالصريم } أي كالليل الأسود - فى قول ابن عباس - وانشد ابو عمرو بن العلا:
ألا بكرت وعاذلني تلوم   تجهلني وما انكشف الصريم
وقال:
تطاول ليلك الجون البهيم   فيما ينجاب عن صبح صريم
إذا ما قلت اقشع او تناهى   جرت من كل ناحية غيوم
وقال قوم: الصريم هو المصروم، وقال سعيد بن جبير: الصريم أرض معروفة باليمين لا نبات فيها تدعى صروان، وإنما قيل لليل صروم، لانه يقطع بظلمته عن التصرف في الامور. وقيل: إنما فعل الله بهم ذلك لانهم منعوا الحقوق اللازمة من ثمار هذه الجنة. والصرم قطع الثمر. والصريم المصروم جميع ثماره.

وقوله { فتنادوا مصبحين } اخبار عن حالهم أنهم لما اصبحوا نادى بعضهم بعضاً يا فلان يا فلان، والتنادي دعاء بعض الناس بعضاً بطريقة يا فلان وأصله من الندى بالقصر، لأن النداء الدعاء بندى الصوت الذي يمتد على طريقة يا فلان، لان الصوت إنما يمتد للانسان بندى حلقه. والنادي مجلس الرفد وهو الندي { أن اغدوا على حرثكم } أى نادى بعضهم بعضاً بأن اغدوا، او قالوا: { اغدوا على حرثكم } والحرث الزرع الذي قد حرثت له الأرض، حرث يحرث حرثاً والحراث الذى يحرث الأرض، ومنه الحارث، ومنه الحرث، كناية عن الجماع.

السابقالتالي
2