الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ تَبَارَكَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ ٱلْمُلْكُ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلْمَوْتَ وَٱلْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْغَفُورُ } * { ٱلَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَٰوَٰتٍ طِبَاقاً مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ ٱلرَّحْمَـٰنِ مِن تَفَاوُتٍ فَٱرْجِعِ ٱلْبَصَرَ هَلْ تَرَىٰ مِن فُطُورٍ } * { ثُمَّ ٱرجِعِ ٱلبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ ٱلبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ } * { وَلَقَدْ زَيَّنَّا ٱلسَّمَآءَ ٱلدُّنْيَا بِمَصَٰبِيحَ وَجَعَلْنَٰهَا رُجُوماً لِّلشَّيَٰطِينِ وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ ٱلسَّعِيرِ }

قرأ حمزة والكسائي { من تفوّت } بتشديد الواو بلا ألف. الباقون { تفاوت } على وزن تفاعل. ومعناهما واحد. وهو مثل: تصعر وتصاعر، وتعهد وتعاهد. والتفاوت إختلاف التناقض، وهو تباعد ما بين الشيئين فى الصحة. والتباين امتناع كل واحد من المعنيين ان يصح مع الآخر.

يقول الله تعالى مخبراً عن عظمته وعلو شأنه { تبارك الذي بيده الملك } فمعنى تبارك بأنه الثابت الذي لم يزل ولا يزال. وأصل الصفة من الثبوت من البرك وهو ثبوت الطائر على الماء. ومنه البركة ثبوت الخير بنمائه. وقيل: معناه تعاظم بالحق من لم يزل ولا يزال، وهو راجع إلى معنى الثابت الدائم. وقيل: المعنى تبارك من ثبوت الاشياء به إذ لولاه لبطل كل شيء لانه لا يصح شيء سواه إلاّ مقدوره او مقدور مقدوره، الذي هو القدرة، لان الله تعالى هو الخالق لها. وقيل: إن معناه تبارك لان جميع البركات منه، إلا ان هذا المعنى مضمن فى الصفة غير مصرح به، وإنما المصرح به تعالى باستحقاق التعظيم.

وقوله { الذي بيده الملك } معناه الذي يجب كونه قادراً وانه السلطان العظيم الذي كل ملك له، ليس من ملك إلا داخل فيه لان الله تعالى مالك الملوك، وممكنهم منها. والملك هو إتساع المقدور لمن له السياسة والتدبير.

وقوله { وهو على كل شيء قدير } معناه إن الذي بيده الملك والسلطان القادر على كل شيء يصح ان يكون مقدوراً له وهو أخص من قولنا: وهو بكل شيء عليم، لأنه تعالى يعلم كل ما يصح أن يكون معلوماً فى نفسه، ولا يوصف بكونه قادراً إلا على ما يصح ان يكون مقدوراً له، لان مقدور القدرة لا يصح أن يكون مقدوراً له، وكذلك ما تقضى وقته مما لا يبقى لا يصح ان يكون مقدوراً فى نفسه.

ثم وصف تعالى نفسه فقال { الذي خلق الموت والحياة } أي خلق الموت للتعبد بالصبر عليه، والحياة للتعبد بالشكر عليها. وقيل: وجه خلق الموت والحياة للابتلاء هو ما فيها من الاعتبار المؤدي إلى تثبيت قادر على الاضداد مع التحذير فى كل حال من مجيء الموت الذي ينقطع به استدراك ما فات، ومع التسوية بين الغني والفقير والملك والسوقة فى الموت بما يقتضي قاهراً للجميع قد عمهم بحسن التدبير فقد أذل الله ابن آدم بالموت ليكون أبعد من الطغيان فى حال التمكين من العصيان. وفى كون الموت معنى خلاف بين الشيخين: أبي، وأبي هاشم.

وقوله { ليبلوكم } معناه ليعاملكم معاملة المختبر بالامر والنهي فيجازي كل عامل على قدر عمله، الابتلاء الاختبار. وقال الفراء والزجاج: في الكلام اضمار وتقديره ليبلوكم فيعلم أيكم، لأن حروف الاستفهام لا تشغل إلا بفعل يتعلق بالجملة على تقدير المفرد كقولك: علمت أزيد في الدار أم عمرو، وتقديره وقد علمت ان احدهما في الدار (وعرفت، ونظرت) بمنزلة (علمت) في هذا، لانها توافقها في (عرفت انه في الدار) و (نظرت بقلبي انه في الدار) ومثله

السابقالتالي
2 3