الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ ءَأَمِنتُمْ مَّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ ٱلأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ } * { أَمْ أَمِنتُمْ مِّن فِي ٱلسَّمَآءِ أَن يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ } * { وَلَقَدْ كَذَّبَ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَكَيْفَ كَانَ نكِيرِ } * { أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى ٱلطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَـٰفَّـٰتٍ وَيَقْبِضْنَ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ ٱلرَّحْمَـٰنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي هُوَ جُندٌ لَّكُمْ يَنصُرُكُمْ مِّن دُونِ ٱلرَّحْمَـٰنِ إِنِ ٱلْكَافِرُونَ إِلاَّ فِي غُرُورٍ } * { أَمَّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ بَل لَّجُّواْ فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ }

قرأ ابن كثير { وإليه النشور وأمنتم } بواو في الوصل قلباً لهمزة الاستفهام واواً لضم ما قبلها. وقرأ اهل الكوفة واهل الشام بهمزتين على أصولهم. الباقون بتحقيق الأولى وتخفيف الثانية.

يقول الله تعالى مهدداً للمكلفين وزاجراً لهم عن إرتكاب معاصيه والجحد لربوبيته على لفظ الاستفهام والمراد به تفخيم الامر وتعظيم التبكيت { أأمنتم من في السماء } فالأمن هو اطمينان النفس إلى السلامة من الخوف، والأمن علم بسلامة النفس من الضرر يقال أمن يأمن أمناً وأمنه يؤمنه إيماناً وأماناً، والمعنى أأمن من فى السماء سلطانه وامره ونهيه، كما قالوهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم } أي وهو الله في السموات وفي الأرض معلومه، لا يخفى عليه شيء منه. وقيل: ايضاً يجوز ان يكون المراد { أأمنتم من في السماء } يعني الملك الكائن فى السماء { أن يخسف بكم الأرض } بأمر الله، فاذا هي تمور أي تردد، فالمور هو التردد في الذهاب والمجيء، يقال: مار يمور موراً فهو مائر، ومثله ماج يموج موجاً.

وقوله { أأمنتم من السماء أن يرسل عليكم حاصباً } فالحاصب الحجارة التي يرمى بها كالحصباء، حصبه بالحصباء يحصبه حصباً إذا رماه بها. ويقال للذى يرمى به حاصب أي ذو حصب كأن الحجر هو الذي يحصب. وقيل: تقديره آمنوا قبل ان يرسل عليكم حاصباً، كما أرسل على قوم لوط حجارة من السماء.

وقوله { فستعلمون كيف نذير } فيه تهديد أي ستعرفون كيف تخويفي وترهيبي إن عصيتموني إذا صرتم إلى عذاب النار. ثم قال مقسماً { ولقد كذب الذين من قبلهم } أي جحد من قبل هؤلاء الكفار من الأمم وحدانيتي واشركوا بي غيري في العبادة وكذبوا رسلي { فأهلكتهم } واستأصلتهم { فكيف كان نكير } أي ألم اهلكهم بضروب النقمات والمثلاث.

ثم قال منبهاً لهم على توحيده { أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات } أي مصطفاة فوق رؤسهم في الجو باسطات أجنحتهم { ويقبضن } أي يضربن بها. أى من الطير ما يضرب بجناحيه فيدف، ومنه الصفيف والدفيف { ما يمسكهن إلا الرحمن } أى ليس يمنعهن من السقوط إلى الارض إلا الرحمن الذى خلق لهم الالات التي يصفون بها ويدفون، وما خلق فيها من القدرة على ذلك، ولولا ذلك لسقطت إلى الارض. وقيل معنى ما يمسكهن إلا الرحمن بتوطئة الهواء لها، ولولا ذلك لسقطت، وفي ذلك أكبر دلالة، وأوضح عبرة بأن من سخر الهواء هذا التسخير هو على كل شيء قدير. والصف وضع الاشياء المتوالية على خط مستقيم، والقبض جمع الشيء من حال البسط. والامساك اللزوم المانع من السقوط.

وقوله { إنه بكل شيء بصير } اخبار منه تعالى انه عالم بجميع الاشياء لا يخفى عليه شيء منها { بصير } بما للخلق من النفع والضر.

السابقالتالي
2