الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ قُوۤاْ أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلاَئِكَةٌ غِلاَظٌ شِدَادٌ لاَّ يَعْصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَعْتَذِرُواْ ٱلْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ تُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ يَوْمَ لاَ يُخْزِى ٱللَّهُ ٱلنَّبِيَّ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَآ أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَٱغْفِرْ لَنَآ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } * { يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } * { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱمْرَأَتَ نُوحٍ وَٱمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً وَقِيلَ ٱدْخُلاَ ٱلنَّارَ مَعَ ٱلدَّاخِلِينَ }

قرأ { نصوحاً } بضم النون حماد ويحيى الباقون بفتحها، وهما لغتان، وقال قوم: من فتح النون جعله نعتاً للتوبة وحمله على الكثرة. ومن ضمه جعله مصدراً

هذا خطاب من الله تعالى للمؤمنين الذين صدقوا بتوحيد الله واخلاص العبادة له وأقروا بنبوة نبيه صلى الله عليه وآله يأمرهم بأن يقوا أنفسهم أي يمنعونها، ويمنعون أهليهم ناراً، وانما يمنعون نفوسهم بأن يعملوا الطاعات، ويمنعون أهليهم بأن يدعوهم اليها ويحثوهم على فعلها، وذلك يقتضي أن الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي ان يكون للأقرب فالاقرب. وقال مجاهد وقتادة: معنى { قوا أنفسكم وأهليكم ناراً } مروهم بطاعة الله وانهوهم عن معصيته.

ثم وصف تعالى النار التي حذرهم منها فقال { وقودها الناس والحجارة } قيل حطب تلك النار الناس والحجارة كوقود الكبريت وهو اشد ما يكون من العذاب { عليها ملائكة غلاظ } في الاخلاق وإن كانوا رقاق الاجسام، لان الظاهر من حال الملك انه روحاني فخروجه عن الروحانية كخروجه عن صورة الملائكة { شداد } في القوى { لا يعصون الله ما أمرهم } به. وفي ذلك دلالة على ان الملائكة المؤكلين بالنار وبعقاب العصاة معصومون عن فعل القبيح لا يخالفون الله في أمره ويمتثلون كل ما يأمرهم به، وعمومه يقتضي انهم لا يعصونه في صغيرة ولا كبيرة. وقال الرماني: لا يجوز أن يعصي الملك في صغيرة ولا كبيرة لتمسكه بما يدعو اليه العقل دون الطبع. وكل من تمسك بما يدعو اليه العقل دون الطبع، فانه لا يقع منه قبيح. وقد اختارهم الله على ما في المعلوم منهم وقيل: هم غلاظ شداد يعذبون على قدر قواهم بأنواع العذاب. وقال الجبائي قوله { لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون } يعني - في دار الدنيا - لان الآخرة ليست دار تكليف. وإنما هي دار جزاء. وإنما أمرهم الله بتعذيب اهل النار على وجه الثواب لهم بأن جعل سرورهم ولذاتهم في تعذيب أهل النار، كما جعل سرور المؤمنين ولذاتهم في الجنة.

ثم حكى ما يقال للكفار يوم القيامة فان الله تعالى يخاطبهم فيقول { يا أيها الذين كفروا } نعمتي وجحدوا ربوبيتي وأشركوا في عبادتي من لا يستحقها، وكذبوا أنبيائي ورسلي { لا تعتذروا اليوم } فان اليوم دار جزاء لا دار توبة واعتذار { إنما تجزون } على قدر { ما كنتم تعملون } في الدنيا على الطاعات بالثواب ولا طاعة معكم، وعلى المعاصي بالعقاب ودخول النار، وانتم مستحقون لذلك.

ثم عاد إلى خطاب المؤمنين في دار التكليف فقال { يا أيها الذين آمنوا توبوا إلى الله } من معاصيه وأرجعوا إلى طاعته { توبة نصوحاً } أي توبة خالصة لوجه الله. فمن قرأ - بضم النون - وهو أبو بكر عن عاصم أراد المصدر، ومن فتح النون جعله صفة للتوبة ونعتاً لها.

السابقالتالي
2