الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْفَـٰسِقِينَ } * { هُمُ ٱلَّذِينَ يَقُولُونَ لاَ تُنفِقُواْ عَلَىٰ مَنْ عِندَ رَسُولِ ٱللَّهِ حَتَّىٰ يَنفَضُّواْ وَلِلَّهِ خَزَآئِنُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَفْقَهُونَ } * { يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ ٱلأَعَزُّ مِنْهَا ٱلأَذَلَّ وَلِلَّهِ ٱلْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَـٰكِنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ لاَ يَعْلَمُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْخَاسِرُونَ } * { وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاۤ أَخَّرْتَنِيۤ إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ ٱلصَّالِحِينَ } * { وَلَن يُؤَخِّرَ ٱللَّهُ نَفْساً إِذَا جَآءَ أَجَلُهَآ وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ }

قرأ ابو عمرو وحده { وأكون } بالواو، الباقون { وأكن } وفى المصاحف بلا واو فقيل لابي عمرو: لم سقطت من المصاحف؟. فقال كما كتبوا: { كلهن } وقرأ يحيى عن أبي بكر { يعملون } بالياء، الباقون بالتاء. ومن قرأ بالياء فعلى الخبر، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب.

لما اخبر الله تعالى عن حال المنافقين، وانه { إذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله } حركوا رؤسهم استهزاء بهذا القول، فقال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله { سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم } أي يتساوى الاستغفار لهم وعدم الاستغفار { فلن يغفر الله لهم } لانهم يبطنون الكفر وإن اظهروا الايمان، وبين انه تعالى { لا يهدي القوم الفاسقين } الى طريق الجنة، فلهذا يجب ان ييأسوا من المغفرة بالاستغفار.

وقال الحسن: اخبر الله تعالى أنهم يموتون على النفاق، فلم يستغفر لهم بعد. وقيل: المعنى لا يحكم الله بهدايتهم، وقد كان النبي صلى الله عليه وآله يستغفر لهم على ظاهر الحال بشرط حصول التوبة وأن يكون باطن المستغفر له مثل ظاهره، فبين بها أن ذلك لا ينفع مع ابطانهم الكفر والنفاق.

ثم حكى تعالى عنهم فقال { هم الذين يقولون } يعني بعضهم لبعض لا تنفقوا على من عند رسول الله صلى الله عليه وآله من المؤمنين المحتاجين { حتى ينفضوا } عنه ومعناه حتى يتفرقوا عنه لفقرهم وحاجتهم. والانفضاض التفرق، وفض الكتاب إذا فرقه ونشره، وسميت الفضة فضة لتفرقها فى اثمان الاشياء المشتراة.

فقال الله تعالى { ولله خزائن السماوات والأرض } بمعنى له مقدوراته فى السموات والارض، لان فيها كل ما يشاء إخراجه، وله خزائن السموات والارض يخرج منهما ما يشاء. وهي داخلة فى مقدوراته، والخزانة - بكسر الخاء - موضع يخبأ فيه الامتعة، وإذا كان لله خزائن السموات والارض، فلا يضرك يا محمد ترك انفاقهم بل لا يضرون إلا أنفسهم دون اولياء الله والمؤمنين الذين يسبب الله قوتهم ولو شاء الله تعالى لأغنى المؤمنين، ولكن فعل ما هو اصلح لهم وتعبدهم بالصبر على ذلك لينالوا منزلة الثواب { ولكن المنافقين لا يفقهون } ذلك على الحقيقة لجهلهم بعقاب الله تعالى.

ثم اخبر عنهم فقال { يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز } يعنون نفوسهم { منها الأذل } يعنون رسول الله والمؤمنين. وقيل: إن القائل لذلك في غزوة المريسيع، كان عبد الله بن ابي بن سلول، فقال الله تعالى { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين } دون المنافقين والكفار { ولكن المنافقين لا يعلمون } ذلك فيظنون ان العزة لهم، وذلك بجهلهم بصفات الله وما يستحقه أولياؤه وما يعمل بهم. والاعز الأقدر على منع غيره وأصل الصفة المنع فلذلك لم يكن أحد اعز من الله ولا أذل من المنافق.

السابقالتالي
2