الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ هَادُوۤاْ إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ ٱلنَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ ٱلْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } * { وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ } * { قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ } * { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْاْ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُواْ ٱلْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ } * { فَإِذَا قُضِيَتِ ٱلصَّلاَةُ فَٱنتَشِرُواْ فِي ٱلأَرْضِ وَٱبْتَغُواْ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُواْ ٱللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } * { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَآئِماً قُلْ مَا عِندَ ٱللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ ٱللَّهْوِ وَمِنَ ٱلتِّجَارَةِ وَٱللَّهُ خَيْرُ ٱلرَّازِقِينَ }

هذا أمر من الله تعالى للنبي صلى الله عليه وآله أن يخاطب اليهود، فيقول لهم { إن زعمتم أنكم أولياء لله } فالزعم قول عن ظن او علم، ولهذا صارت من أخوات (ظن) فى الظن والعلم وعملت ذلك العمل من الاعراب قال الشاعر:
فان تزعميني كنت أجهل فيكم   فأني شريت الحلم بعدك بالجهل
والاولياء جمع ولي، وهو الحقيق بالنصرة التي يوليها عند الحاجة، فالله ولي المؤمنين، لأنه يوليهم النصرة عند حاجتهم. والمؤمن ولي الله لهذه العلة. ويجوز أن يكون لأنه يولي المطيع له بنصرته عند حاجته، فقال الله لهؤلاء اليهود: إن كنتم تظنون على زعمكم أنكم انصار الله وأن الله ينصركم { فتمنوا الموت إن كنتم صادقين } فى ادعائكم أنكم أولياؤه دون الناس، فالتمني هو قول القائل - لما كان - ليته لم يكن، ولما لم يكن: ليته كان. وهو من صفات الكلام. وقال بعضهم: هو معنى فى النفس.

ثم اخبر تعالى عن حالهم وكذبهم واضطرابهم فى دعواهم، وانهم غير واثقين بما يدّعونه فقال { ولا يتمنونه أبداً بما قدمت أيديهم } ومعناه لا يتمنون الموت أبداً فيما بعد { بما قدمت أيديهم } مما لا يرجعون فيه إلى ثقة من التكذيب بالنبي صلى الله عليه وآله والتحريف لصفته فى التوراة { والله عليم بالظالمين } أي عالم بأحوالهم وافعالهم، لا يخفى عليه شيء منها.

وفى الاية دليل على النبوة لأنه اخبر بأنهم لا يتمنون الموت ابداً، وما تمنوه فكان ذلك اخباراً بالصدق قبل كون الشيء، وذلك لا يعلمه، إلا الله تعالى. وفيها بطلان ما ادعوه من انهم أولياء الله.

ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله { قل } لهم { إن الموت الذي تفرون منه } أي تهربون منه { فإنه ملاقيكم } وإنما قال { فإنه } بالفاء، وسواء فروا منه او لم يفروا منه فانه ملاقيهم، مبالغة فى الدلالة على أنه لا ينفع الفرار منه لانه إذا كان الفرار منه بمنزلة السبب فى ملاقاته فلا معنى للتعرض له لانه لا يباعد منه قال زهير:
ومن هاب اسباب المنايا ينلنه   ولو رام أن يرقى السماء بسلم
وهن ينلنه هابها او لم يهبها، ولكنه إذا كانت هيبته بمنزلة السبب للمنية كان لا معنى للهيبة، وقال قوم: تقديره قل إن الموت هو الذي تفرون منه فجعلوا { الذي } فى موضع الخبر لا صلة. ويكون { فإنه } مستأنف.

وقوله { ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة } معناه ثم ترجعون الى الله تعالى يوم القيامة الذي يعلم سركم وعلانيتكم وظاهركم وباطنكم، لا يخفى عليه شيء من أحوالكم { فينبئكم } أي يخبركم { بما كنتم تعملون } فى دار الدنيا ويجازيكم بحسبها على الطاعة بالثواب وعلى المعاصي بالعقاب، ثم خاطب المؤمنين فقال { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله } معناه إذا سمعتم، أذان يوم الجمعة فامضوا إلى الصلاة.

السابقالتالي
2 3