الرئيسية - التفاسير


* تفسير التبيان الجامع لعلوم القرآن/ الطوسي (ت 460 هـ) مصنف و مدقق


{ وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَٰدَىٰ كَمَا خَلَقْنَٰكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَّا خَوَّلْنَٰكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَىٰ مَعَكُمْ شُفَعَآءَكُمُ ٱلَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَآءُ لَقَد تَّقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنكُم مَّا كُنتُمْ تَزْعُمُونَ }

قرأ اهل المدينة والكسائي وحفص { بينكم } بنصب النون. الباقون برفعها. والبين مصدر بان يبين إِذا فارق قال الشاعر:

بان الخليط برامتين فودعوا   او كلما ظعنوا لبين تجرع
وقال ابو زيد: بان الحي بينونة وبيناً إِذا ضعنوا، وتباينوا تباينا اذا كانوا جميعا فتفرقوا، قال والبين ما ينتهي اليه بصرك من حائط او غيره واستعمل هذا الاسم على ضربين: احدهما - ان يكون اسما منصرفا كالافتراق. والآخر - ان يكون ظرفا فمن رفعه رفع ما كان ظرفا استعمله اسماً ويدل على جواز كونه اسماً قوله:هذا فراق بيني وبينك } وقولهمن بيننا وبينك حجاب } فلما استعمل اسماً في هذه المواضع جاز ان يسند اليه الفعل الذي هو تقطع في قراءة من رفع. ويدل على ان هذا المرفوع هو الذي استعمل ظرفا انه لا يخلو من ان يكون الذي هو ظرف اتسع فيه او يكون الذي هو مصدر ولا يجوز ان يكون الذي هو مصدر، لان التقدير يصير لقد تقطع افتراقكم، وهذا خلاف المعنى المراد، لان المراد لقد تقطع وصلكم، وما كنتم تتألفّون عليه.

فان قيل كيف جاز ان يكون بمعنى الوصل واصله الافتراق والتباين وعلى هذا قالوا: بان الخليط اذا فارق، وفي الحديث ما بان من الحي فهو ميتة؟!.

قيل: انه لما استعمل مع الشيئين المتلابسين نحو بيني وبينك شركة، وبيني وبينه صداقة ورحم صار لذلك بمنزلة الوصلة وعلى خلاف الفرقة فلذلك صار { لقد تقطع بينكم } بمعنى لقد تقطع وصلكم ومثل بين في انه يجري في الكلام ظرفا ثم يستعمل إِسماً بمعنى (وسط) ساكن العين ألا ترى أنهم يقولون: جلست وسط القوم، فيجعلونه ظرفاً لا يكون الا كذلك، وقد استعملوه إِسما كما قال الشاعر:
من وسط جمع بني قريظة بعدما   هتفت ربيعة يا بني خوَّات
وحكى سيبويه: هو احمر بين العينين. واما من نصب بينكم ففيه وجهان:

احدهما - انه اضمر الفاعل في الفعل ودل عليه ما تقدم من قوله: { وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء } لان هذا الكلام فيه دلالة على التقاطع والتهاجر وذلك المضمر هو الاصل، كأنه قال لقد تقطع وصلكم بينكم

والثاني - ان يكون على مذهب ابي الحسن ان يكون لفظه منصوبا ومعناه مرفوعاً، فلما جرى في كلامهم منصوبا ظرفا تركوه على ما يكون عليه في اكثر الكلام وكذلك تقول في قولهيوم القيامة يفصل بينكم } وكذلك قوله:وإِنا منا الصالحون ومنا دون ذلك } فدون في موضع رفع عنده وان كان منصوب اللفظ، كما تقول منا الصالح ومنا الطالح فترفع.

وقال الزجاج: الرفع أجود وتقديره لقد تقطع وصلكم. والنصب جائز على تقدير لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم.

السابقالتالي
2